تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فقد صح عن تلميذه ابن نافع الصائغ الذي لازم مالك أربعين سنة وهو الذي خلفه في مجلسه بعد ابن كنانة وقد صار مفتي المدينة بعده، وقد تُكلم في حفظه للحديث، لكنه من أعلم الناس بالإمام مالك، وهو الذي سمع منه سحنون وكبار أتباع أصحاب مالك والذي سماعه مقرون بسماع أشهب في العتبية وهو الذي ذكره وروايته في المدونة، قيل لمالك من لهذا الأمر بعدك؟ قال لابن نافع.

أقول: قد صح عن ابن نافع تلميذه هذا أنه قال: قال مالك: ((الله في السماء وعلمه في كل مكان)) (2)

وهذا الأثر صريح في إثباته للعلو وتفريقه بين الذات والعلم فخص الذات بالسماء وأما العلم فهو شاملاً كل مكان لا يخفى عليه خافيه، وهكذا يقول مثل كلام الإمام مالك هذا من يثبت العلو-على خلاف متأخري الأشعرية وأضرابهم الذين لا يمكن أن ينطقوا بهذا- كما قال الحافظ ابن عبد البر في الاستذكار:

((وأما قوله في هذا الحديث للجارية أين الله فعلى ذلك جماعة أهل السنة وهم أهل الحديث ورواته المتفقهون فيه وسائر نقلته كلهم يقول ما قال الله تعالى في كتابه! (الرحمن على العرش استوى) [طه 5] “وأن الله عز وجل في السماء وعلمه في كل مكان” وهو ظاهر القران في قوله عز وجل ((ءامنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور)) [الملك 16] وبقوله عز وجل (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) [فاطر 10] وقوله (تعرج الملائكة والروح إليه) [المعارج 4] ... ولم يزل المسلمون إذا دهمهم أمر يقلقهم فزعوا إلى ربهم فرفعوا أيديهم وأوجههم نحو السماء يدعونه ومخالفونا ينسبونا في ذلك إلى التشبيه والله المستعان ومن قال بما نطق به القران فلا عيب عليه عند ذوي الألباب))

وقد احتج بقول مالك هذا تلميذه ابن الصائغ نفسه لما سأل عن قول الجهمية في القرآن: فقد روى عبد الله في السنة 1/ 174 وعنه النجاد في "الرد على من يقول القرآن مخلوق": عن سريج بن النعمان أنه قال:

"سألت عبدالله بن نافع وقلت له إن قبلنا من يقول القرآن مخلوق؟

فاستعظم ذلك ولم يزل متوجعا حزينا يسترجع، قال عبدالله بن نافع: ((قال مالك من قال القرآن مخلوق يؤدب ويحبس حتى تعلم منه التوبة وقال مالك الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وقال مالك الله في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو من علمه مكان وقال مالك القرآن كلام الله عز و جل)) وهكذا قال عبد الله بن نافع في هذا كله"

تأمل احتجاج التلميذ بكلام شيخه مالك على مخالفة الجهمية لأهل السنة.

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في " القاعدة المراكشية " أن المالكية وغير المالكية نقلوا عن مالك أنه قال: الله في السماء، وعلمه في كل مكان، حتى ذكر ذلك مكي خطيب قرطبة في " كتاب التفسير " الذي جمعه من كلام مالك، ونقله أبو عمر الطلمنكي، وأبو عمر بن عبد البر، وابن أبي زيد في المختصر , وغير واحد ونقله أيضاً عن مالك غير هؤلاء ممن لا يحصى عددهم مثل الإمام أحمد بن حنبل، وابنه عبد الله وأبو داود والأثرم والخلال والآجري وابن بطة وطوائف غير هؤلاء من المصنفين في السنة - إلى أن قال: وكلام أئمة المالكية وقدمائهم في الإثبات كثير مشهور حتى علماؤهم حكوا إجماع أهل السنة والجماعة على أن الله بذاته فوق عرشه انتهى.

وقد مر عن العلامة ابن أبي زيد قوله نقلاً عن مالك ومذهبه ((وأنه فوق سماواته على عرشه دون أرضه))

وقد قال تلميذ ابن أبي زيد: العلامة الفقيه أبو بكر محمد بن موهب المالكي في شرحه لرسالة شيخه الإمام أبي محمد بن أبي زيد المالكي:

((أما قوله إنه فوق عرشه المجيد بذاته فمعنى فوق وعلى عند جميع العرب واحد وفي الكتاب والسنة تصديق ذلك وهو قوله تعالى ثم استوى على العرش وقال "الرحمن على العرش استوى" وقال "يخافون ربهم من فوقهم" وساق حديث الجارية والمعراج إلى سدرة المنتهى ...

إلى أن قال: وقد تأتي لفظة في، في لغة العرب بمعنى فوق كقوله "فأمشوا في مناكبها" و "في جذوع النخل" و "أأمنتم من في السماء"،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير