ولو كان هذا الخبر صحيحاً حقاً لما جاز له ترك البغلة التي خلفها النبي صلى الله عليه وسلم، وسيفه، وعمامته عند أمير المؤمنين علي، ولما حكم له بها لما ادعاها العباس، ولكان أهل البيت الذين طهرهم الله في كتابه من الرجس مرتكبين مالا يجوز؛ لأن الصدقة عليهم محرمة، وبعد ذلك جاء إليه مال البحرين، وعنده جابر بن عبد الله الأنصاري، فقال له إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لي: ((إذا أتى مال البحرين حثوت لك، ثم حثوت لك ثلاثا، فقال له: تقدم فخذ بعددها، فأخذ من بيت مال المسلمين من غير بينة، بل بمجرد قوله!! ".
انتهى نقل كلام الرافضي، ثم قال شيخ الإسلام:
" والجواب أن في هذا الكلام من الكذب والبهتان والكلام الفاسد ما لا يكاد يحصى إلا بكلفة!! ولكن ينذكر من ذلك وجوها إن شاء الله تعالى.
ثم بدأ بذكر أوجه البطلان في كلام الرافضي، يراجعها من أرادها، ولكني سأذكر هنا ما يخص دعوى التنقص من علي – رضي الله عنه – بأنه كان له في آذى الزهراء غرض!!
لنتذكر أن الرافضي ساق حديث فاطمة مني يريبني ما آرابها؛ ليدلل به على أن أبا بكر الصديق قد آرابها؛ فقال له الشيخ رحمه الله:
" وأما قوله [أي الرافضي الذي يطعن في أبي بكر، وعمر – رضي الله عنهما، وعن سائر الصحابة]: رووا جميعاً: ((أن فاطمة بضعة مني من آذاها آذاني، ومن آذاني آذى الله)).
فإن هذا الحديث لم يرو بهذا اللفظ بل روى بغيره كما روي في سياق حديث خطبه علي لابنه أبي جهل لما قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً فقال:
((إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب وإني لا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن؛ إنما فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها، ويؤذيني ما أذاها، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم))
وفي رواية: ((إني أخاف أن تفتن في دينها، ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه، فقال: حدثني؛ فصدقني، ووعدني؛ فوفى لي، وإني لست أحل حراماً، ولا أحرم حلالاً، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله، وبنت عدو الله مكاناً واحداً أبداً)) رواه البخاري ومسلم في الصحيحين من رواية علي بن الحسين والمسور بن مخرمة.
فسبب الحديث خطبة على رضي الله عنه لابنة أبي جهل والسبب داخل في اللفظ قطعاً؛ إذ اللفظ الوارد على سبب لا يجوز إخراج سببه منه، بل السبب يجب دخوله بالاتفاق.
وقد قال في الحديث: ((يريبني ما رابها، ويؤذيني ما أذاها)).
ومعلوم قطعا أن خطبة ابنة أبي جهل عليها رابها وآذاها، والنبي صلى الله عليه وسلم رابه ذلك، وآذاه، فإن كان هذا وعيداً لاحقاً بفاعله؛ لزم أن يلحق هذا الوعيد علي بن أبي طالب!
وإن لم يكن وعيداً لاحقاً بفاعله؛ كان أبو بكر أبعد عن الوعيد من علي!
وإن قيل إن علياً تاب من تلك الخطبة، ورجع عنها.
قيل: فهذا يقتضي أنه عير معصوم، وإذا جاز أن من راب فاطمة، وآذاها يذهب ذلك بتوبته؛ جاز أن يذهب بغير ذلك من الحسنات الماحية، فإن ما هو أعظم من هذا الذنب تذهبه الحسنات الماحية، والتوبة والمصائب المكفرة، وذلك أن هذا الذنب ليس من الكفر الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة، ولو كان كذلك؛ لكان علي- والعياذ بالله - قد ارتد عن دين الإسلام في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن الله تعالى نزه علياً من ذلك!!
والخوارج الذين قالوا: إنه ارتد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لم يقولوا إنه ارتد في حياته، ومن ارتد فلا بد أن يعود إلى الإسلام، أو يقتله النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لم يقع، وإذا كان هذا الذنب هو مما دون الشرك؛ فقد قال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.
وإن قالوا بجهلهم إن هذا الذنب كفر ليكفروا بذلك أبا بكر؛ لزمهم تكفير علي، واللازم باطل؛ فالمللزوم مثله!!
وهم دائما يعيبون أبا بكر، وعمر، وعثمان؛ بل ويكفرونهم بأمور قد صدر من علي ما هو مثلها، أو أبعد عن العذر منها؛ فإن كان مأجوراً، أو معذوراً؛ فهم أولى بالأجر والعذر، وإن قيل باستلزام الأمر الأخف فسقاً، أو كفراً؛ كان استلزام الأغلظ لذلك أولى.
¥