تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[21 - 07 - 02, 11:52 م]ـ

وهذا جزء من شرحي على كتاب رياض الصالحين للنووي - رحمه الله -

الثاني: عن ابن مسعودٍ – رضي الله عنه -، أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: " ما من نبيٍ بعثه الله في أمةٍ قبلي، إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تَخْلُفُ من بعدهم خلوفٌ؛ يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردلٍ ". رواه مسلم.

تخريج الحديث:

الحديث أخرجه مسلمٌ في صحيحه، برقم (50).

وقد وقع في طبعة الألباني – رحمه الله – تقديمُ القلب على اللسان في الحديث، وتبعه على هذا الوهم سليم الهلالي، ومِنْ ثَمَّ علي الحلبي!!. أمَّا في نسخة ابن علان – رحمه الله – فقد جاءت على الصواب.

وقد راجعت عدة نسخ من صحيح مسلم، وشروحه؛ فلم أجد التقديم المذكور؛ بل راجعت ما تيسر من كتب الحديث، فلم أعثر على هذا الوهم.

الشرح:

عن عبد الله بن مسعودٍ – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: " ما من نبيٍ بعثه الله في أمةٍ قبلي إلا كان له من أمته حواريُّون " اختلف أهل العلم في المقصود من هذه الجملة من الحديث:

فقيل: أن المقصود غالب الرسل لا كلهم، واستدلوا بقوله – صلى الله عليه وسلم –: " ويأتي النبي ومعه الرجل والرجلان، ويأتي النبي وليس معه أحد " فهذا العموم الذي في الحديث مخصوصٌ.

وقيل: أن حديث: " ويأتي النبي وليس معه أحد " خاصٌ بالأنبياء، وهذا الحديث في الرسل، وهذا فيه بُعْدٌ.

واختلفوا في معنى الحواري، والمقصود: أنهم أصفياء الأنبياء، وأنصارهم. " وأصحاب " جمع صاحب، والصحبة: الخلطة على جهة المحبة.

" يأخذون بسنته " أي بطريقته وشريعته " ويقتدون بأمره، ثم إنها " أي: الأمة والطائفة، قال الأبي: وفي العطف بِ (ثم) تنبيهٌ إلى أن تغيير السنن إنما يقع بعد طول.

" تَخْلُف " بضم اللام، أي: تحدث " من بعدهم خُلُوْفٌ " بضم الخاء واللام، جمع خَلْف بإسكان اللام، ومنه قوله تعالى: " فخلف من بعدهم خَلْفٌ أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيَّا ".

وتأتي بفتح اللام، ومنه حديث " يحمل هذا العلم من كل خَلَفٍ عدوله ... ".

واختلفوا في معناها: فقيل: بإسكان اللام: الخالف بشر، وبفتحها الخالف بخير .. إلخ.

والمقصود: أنهم متفقون على أن معنى (الخالف) هو من يأتي بعد السابق، بغض النظر عن هذا الخالف، أخلف بخيرٍ أم لا؟ فيكون المعنى إذن: خلوف، أي: قرون بعد قرون، ولاحقٌ بعد سابق، وأمة بعد أمة.

ثم بيَّن صفة هذه الخلوف بقوله: " يقولون ما لا يفعلون " أي: يتشبعون بما لم يعطوا من طاعةٍ، أو حالٍ، أو مقام.

" ويفعلون ما لا يؤمرون " أي: يفعلون خلاف المأمور به شرعاً، فيفعلون المنكرات التي لم يأذن بها الشارع.

" فمن جاهدهم بيده " وذلك إذا لم يترتب عليه مفسدةٌ أعظم من المنكر الواقع، واستطاع إنكاره بيده " فهو مؤمن " أي: كامل الإيمان.

" ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن " وتتفاوت مراتب كمال الإيمان بتفوات ثمراته.

" وليس وراء ذلك " أي: كراهة المنكر بالقلب " من الإيمان حبة خردل " كنَّى بها عن نهاية القلة، وذلك لأن الرضا بالكفر الذي هو من جملة المعاصي كفر، وبالعصيان الناشئ عن غلبة الشهوة نقصان من الإيمان، والمراد: أنَّ آخر خصال الإيمان المتعينة على العبد وأضعفها الإنكار بالقلب، ولم يَبْقَ بعدها مرتبةٌ أخرى.

فوائد الحديث:

1 – فيه التنبيه على فضل الصحابة؛ حيث بيَّن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أنَّ أصحابه يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره.

2 – وفيه بيان فضل من اتبع سنة النبي – صلى الله عليه وسلم – واقتفى أَثَرَه، ففيه شبهٌ من حواريي الأنبياء وأصحابهم.

3 – وفيه ذم مَنْ يقول ما لا يفعل " ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ".

4 – فيه الحث على مجاهدة المخالفين للشرع بأقوالهم وأفعالهم.

5 – وفيه أن نجاة هذه الأمة باتباع منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله، لأن كل طريق سوى طريقهم هلاكٌ وغواية، وخَلاصه طريق الأنبياء الذي وضحه النبي – صلى الله عليه وسلم – وبيَّن معالمه.

6 – وفيه أن الأمر بالمعروف والتهي عن المنكر من خصال الإيمان.

تنبيه: في هذا الحديث دلالة على جهاد الأمراء باليد، وقد استنكر هذا الحديث الإمام أحمد، وقال: هو خلاف الأحاديث التي أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيها بالصبر على جور الأئمة.

وقد يجاب عن ذلك: بأن التغيير باليد لا يستلزم القتال، وقد نصَّ على ذلك الإمام أحمد في رواية صالحٍ، فقال: التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح، وحينئذٍ فجهاد الأمراء باليد أن يزيل بيده ما فعلوه من المنكرات، مثل: أن يُرِيْقَ خمورهم، أو يكسر الآت الملاهي التي لهم ونحو ذلك، أو يُبطل بيده ما أمروا به من الظلم إن كان له قدرةٌ على ذلك، وكل هذا جائزٌ وليس هو من باب قتالهم، ولا من الخروج عليهم الذي ورد النهي عنه، فإنَّ هذا أكثرُ ما يُخَافُ منه أنْ يَقتلَ الآمرَ وحده.

وأما الخروج عليهم بالسيف فيُخشى منه الفتن التي تُؤدي إلى سفك دماءِ المسلمين. نعم، إن خشي في الإقدام على الإنكار على الملوك أن يؤذي أهله أو جيرانه، لم ينبغِ له التعرض لهم حينئذٍ، لما فيه من تعدي الأذى إلى غيره، كذلك قال الفضيل بن عياض وغيره، ومعَ هذا، فمتى خاف منهم على نفسه السيف، أو السوط، أو الحبس، أو القيد، أو النفي، أو أخذ المال، أو نحو ذلك من الأذى سقط أمرهم ونهيهم، وقد نصَّ الأئمة على ذلك، منهم مالكٌ وأحمد وإسحاق وغيرهم.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير