? القسم الثاني – من الإنكار عليهم باليد: أن لا يتضمن الإنكار عليهم معنى الخروج عليهم؛ فإن إنكار المنكرات التي أقروها، وسمحوا بها: لا يتضمن معنى الخروج؛ وعليه: فإن قوي أحدٌ على أن ينكر عليهم باليد، دون أن يكون في فعله معنى الخروج عليهم؛ فقد أدَّى ما عليه.
قال ابن رجب:" التغيير باليد لا يستلزم القتال، وقد نص على ذلك أحمد أيضاً- في رواية صالح – فقال:" التغيير باليد، ليس بالسيف، والسلاح".
فحينئذ جهاد الأمراء باليد أن يزيل بيده ما فعلوه من المنكرات، مثل: أن يريق خمورهم، أو يكسر آلات اللهو التي لهم، أو نحو ذلك، أو يبطل بيده ما أمروا به من الظلم إن كان له قدرة على ذلك، وكل ذلك جائز، وليس هو من باب قتالهم، ولا من الخروج عليهم الذي ورد النهي عنه، فإن هذا أكثر ما يخشى منه أن يقتله الأمراء وحده، وأما الخروج عليهم بالسيف فيخشى منه الفتن التي تؤدي إلى سفك دماء المسلمين…".انتهى كلام الحافظ ابن رجب.
? ثانياً / الإنكار عليهم باللسان:
وهنا أمران مهمان:
?أولهما: أن الإنكار باليد جائزٌ للعلماء؛ لأنهم أعلم الناس بفقه المصالح والمفاسد، واما من عداهم فالأصل فيهم عدم الإنكار؛ لما يترتب على فعلهم من الجطهل والطيش، ويدخل في حكم العلماء: من صدر عن رأي ثقاتهم، وعلم وجه الإنكار.
? الثاني: أن الغلظة أو اللين، والجهر أو الإسرار بالإنكار في ذلك يعود إلى فقه العَالِم، وما يراه في باب المصالح والمفاسد، والخطأ في الطريقة لا يعود على الأصل بالإبطال، فتنبه لذلك!!
ومما يدل عليه حديث أبي سعيد الخدري قال: ((أخرج مروان المنبر في يوم عيد فبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقام رجل فقال: يا مروان خالفت السنة!! أخرجت المنبر في يوم العيد، ولم يكن يخرج فيه، وبدأت الخطبة قبل الصلاة، فقال أبو سعيد: من هذا؟؟ فقالوا: فلان بن فلان، فقال: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من رأى منكم منكراً؛ فاستطاع أن يغيره فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان)) أخرجه مسلم.
فالإنكار على الولاة الظلمة باللسان جائز، بل مندوب إليه، كما في المستدرك (5) من حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قال إلى إمام جائرٍ؛ فأمره ونهاه؛ فقتله)).
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من رأى منكم منكراً؛ فليغيره بيده، فإن لم يستطع؛ فبلسانه فإن لم يستطع؛ فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)).
وقد يسع من يخاف على نفسه السكوت؛ لما روى مسلم عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((إنه يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون؛ فمن كره؛ فقد برئ، ومن أنكر؛ فقد سلم؛ ولكن من رضي وتابع، قالوا: يا رسول الله! ألا نقاتلهم؟؟ قال: لا؛ ما صلوا- أي من كره بقلبه وأنكر بقلبه)) (6).
ـ[جليس العلماء]ــــــــ[20 - 07 - 02, 04:31 ص]ـ
? خامساً/ فوائد الحديث
1) أن من حفظ الله لهذا الدِّين أنه لا يعري الأنبياء من الأتباع المعينين لهم، والباذلين لمهجهم في سبيل الله.
2) يحمل هذا الحديث على الأعم الأغلب؛ وإلا فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ويأتي النبي وليس معه أحد…)).
3) أن الإنكار على الولاة الظلمة جائز في الإسلام؛ لأنه لا قداسة لغير الوحيين؛ فمن خرج عنهما؛ أُنكر عليه بقدر الطاقة، وبحسب المصلحة.
4) ذم الإحداث في الدِّين، والابتداع فيه.
5) أن الإيمان يزيد، وينقص؛ كما هو مذهب السلف الصالح – أهل السنة والجماعة-.
ـــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــ
? الهوامش:
) متفق عليه، واللفظ لمسلم، الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان (رقم/50).
2) انظر التمهيد (10/ 260)، شرح النووي (2/ 22)، جامع العلوم والحكم (2/ 243)، فتح الباري (13/ 53)، عون المعبود (11/ 330)، شرح السيوطي على سنن ابن ماجة (8/ 111)
3) رواه الطبراني في الكبير (رقم/8564) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 257)، وقال:" رجاله رجال الصحيح ".
4) شرح النووي على صحيح مسلم (12/ 229).
5) برقم (4884)، وقال:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه". وضعف بعض رواته في مجمع الزوائد من رواية الطبراني (7/ 266)، (7/ 272).
6) رواه مسلم، باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع وترك قتالهم ما صلوا ونحو ذلك (رقم/1854). تنويه: قد يفهم من كلام الإمام أحمد – رحمه الله – حول هذا الحديث خلاف ما أراده – رحمه الله-، فقد روي عنه أنه أنكر حديث الباب، وقال: إنه لا يشبه كلام ابن مسعود.
ـ[جليس العلماء]ــــــــ[20 - 07 - 02, 04:39 ص]ـ
هناك سقط وتداخل حدث بعد:
الإنكار باللسان:
لأن الأمرين الهامين يتبعان الإنكار باليد؛ فليُنتبه.
* يبدو أني أغفلت تخريج بعض الآثار والأحاديث؛ فجزى الله خيرا من يسد الخلل.
* آمل ألا تبخلوا علي بالمناصحة، والمشورة خاصة في الطريقة المتبعة في الشرح
وجزاكم الله كل خير.
أبو خالد العُمري
ـــــــــــــــــــــــــ
¥