من المعلومِ المُتقَرِّر لدى جملةِ طلاب العلم و المعرفة ما للبلاغة من مكانة مرموقةٍ، و منزلةٍ سامقة، حيث بها يُفْهمُ الكتابُ و السنة، و بها يُتَلَذَّذُ في القراءة فيهما.
و لقد كان من العلماء نوع من الاهتمام بها فما بين مُسْتَقِلٍّ و مُسْتَكْثرٍ، و ما بين راسخ القدم و عارف بسطحِ أصولِ العلم.
و لا ريب أن هذا التفاوت بين العلماء في البلاغة يجعلُ أحوالَهم متباينةً بينهم، إذ تختلف قوةُ المَنْزَع للعلم من الكتاب و السنة، و تختلف سياقةُ الكلام و اللفظ.
و لقد كان ممن منَّ الله عليه بهذا العلم ففتحَ عليهِ به فتحاً عظيما العلامة الأديب المُتَرَسِّل بديع الزمان الهمَذَاني _ رحمه الله و غفر له _ فقد حاز قصب السبق في ذلك، و فاق من قارنه في ذاك الزمان.
و لما كان بتلك الرتبة في العلم البلاغي كانت طَوْعَ فكرِه، و تحت مشيئته، فيكتب ما يريد، على الوجه الذي يريد، في الوقت الذي يريد _ مستعينا بذلك على الله الفعال لما يريد _.
و من عَجيبِ ما وقفتُ عليه من كلامٍ له غايةً في النفاسة البلاغية، و قمةً في الكتابات الترسلية رسالة لا تكاد تقرأ إلا في حال غريبة، و على طريقةٍ بديعة، فيها الدلالة على ما قوة بلاغة البديع، و فيها الجودة لكلامه.
و هاأنذا تاركٌ للقارئ قراءتها على أي وجهٍ يستطيعه _ و ليس بعارفٍ إلا رجلٌ عرف المقالةَ قبلُ _، و ليَسْرَح ذو الحسِّ الأدبي في بحارِ الرسالة متذوقاً منها نفيس قالتها.
قال البديعُ _ رحمه الله _:
(بسم الله الرحمن الرحيم: الله شاءَ إن المحاضرَ صدورٌ بها و تملأ المنابر ظهورٌ لها و تفرع الدفاتر وجوه بها و تمشقُ المحابر بطون لها ترشق آثاراً كانت فيه آمالنا مقتضى على أياديه في تأييده الله الأمر جرى و إذا المسلمين ظهورٌ عن الثِّقل هذا و يرفع الدين أهل عن الكل هذا يحبط أن في إليه نتضرع و نحن واقفةٌ و التجارات زائفة و النقود صيارفة أجمع الناس صار فقد كريماً نظراً إلينا لينظر شيمه و مصابّ و انتجعنا كرمه بارقة و شمنا هممه على أموالنا رقابَ و علقنا أحوالنا وجوهَ له و كشفنا أمالنا وفود إليه بعثنا فقد نظره بجميل يتداركنا أن و نعمائه تأييده و أدام بقاءه الله أدام الحال الجليل الأمير رأى و صلى الله على النبي محمد و آله و صحبه و سلم) أ. هـ
و أقولُ: إن قراءتها لها فنٌّ خاص، و هي على هذا النسق مثبتة عن البديع فلا خرم و لا تحريف و لا تصحيف.
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[26 - 09 - 02, 01:28 م]ـ
اقرأ المقال من عجزه فصاعداً تقهم ما يريد!
ـ[المسيطير]ــــــــ[27 - 03 - 05, 09:49 م]ـ
اقرأ المقال من عجزه فصاعداً تقهم ما يريد!
جزاكم الله خير الجزاء.
لو زدتم الأمر إيضاحا وتوضيحا.
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[27 - 03 - 05, 11:11 م]ـ
جزاكم الله خير الجزاء.
لو زدتم الأمر إيضاحا وتوضيحا.
- الحقيقة أنَّ الإبداع فيها من وجهين، لا وجه واحد.
(1): الوجه الأول: فيمكنك أن تقرأ المقال بقلب مفردات الجمل بتقديمٍ وتأخير، وإليك المثال:
- قال بديع الزمان في أول مقاله السالف:
(بسم الله الرحمن الرحيم: الله شاءَ إن المحاضرَ صدورٌ بها و تملأ المنابر ظهورٌ لها و تفرع الدفاتر وجوه بها و تمشقُ المحابر بطون لها ترشق آثاراً كانت فيه آمالنا مقتضى على أياديه في تأييده الله الأمر جرى و إذا المسلمين ظهورٌ عن الثِّقل هذا و يرفع الدين أهل عن الكل هذا يحبط أن في إليه نتضرع) ... الخ
- وقلب الجمل فيها بأن تقرأ المقال هكذا: إن شاءَ الله، صدورٌ بها المحاضر، و ظهورٌ لها تملأ المنابر، ووجوه بها تفرع الدفاتر، وبطون لها تمشقُ المحابر، ... الخ
(2): والوجه الثاني: أن تقرأ المقال كله من آخره إلى أوله.
- فقد قال البديع في آخر مقاله: (و شمنا هممه على أموالنا رقابَ و علقنا أحوالنا وجوهَ له و كشفنا أمالنا وفود إليه بعثنا فقد نظره بجميل يتداركنا أن و نعمائه تأييده و أدام بقاءه الله أدام الحال الجليل الأمير رأى).
- وقلب المقال من آخره لأوله أن تقرأه هكذا: (رأى الأمير الجليل الحال، أدام الله بقاءه، وأدام تأييده ونعمائه أن يتداركنا بجميل نظره .... الخ
- إلى أن تصل لأول المقال فيصير آخراً، وهو أن تقول: (ووجوه بها تفرع الدفاتر، وظهورٌ لها تملأ المنابر، وصدورٌ بها المحاضر، إن شاء الله).
ـ[الزبيدي]ــــــــ[28 - 03 - 05, 01:57 ص]ـ
من الابيات التي اعجبتني في المقامات و حفظته لطرافته:
تعرجت لارغبة في العرج**ولكن لاطرق باب الفرج
والقي حبلي على غاربي **وأسلك مسلك من قد مرج
فإن لامني القوم قلت اعذروا**فليس على اعرج من حرج
أعرجوا ان تكون اعجبتم بها
ـ[الزبيدي]ــــــــ[28 - 03 - 05, 01:57 ص]ـ
من الابيات التي اعجبتني في المقامات و حفظته لطرافته:
تعارجت لارغبة في العرج**ولكن لاطرق باب الفرج
والقي حبلي على غاربي **وأسلك مسلك من قد مرج
فإن لامني القوم قلت اعذروا**فليس على اعرج من حرج
أرجوا ان تكونوا اعجبتم بها
¥