والنومُ في الشمس يُثير الداءَ الدَّفين، ونومُ الإنسان بعضُه في الشمس، وبعضُه في الظل رديء، وقد روى أبو داود في " سننه " من حديث أبى هريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: [إذا كان أحدكم في الشَّمْسِ فَقَلَصَ عنه الظِّلُّ، فصار بَعْضُهُ في الشَّمْسِ وبَعْضُهُ في الظِّل، فَلْيَقُمْ] (حسنه الشيخ شعيب وأخيه بالشاهد الأتي بعده).
وفى "سنن ابن ماجة" وغيره من حديث بُريدَةَ بن الحُصَيب، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: [نهى أنْ يقعُدَ الرَّجُلُ بين الظِّلِّ والشمس] (صححه المحققان)، وهذا تنبيه على منع النوم بينهما.
وفى الصحيحين عن البَرَاء بن عازِبٍ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [إذا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ فتوضَّأْ وُضُوءَكَ للصَّلاة، ثم اضطَّجِعْ على شِقِّكَ الأيمنِ، ثم قل: اللَّهُمَّ إنِّي أسْلمتُ نَفْسِي إليكَ، ووَجَّهْتُ وجْهي إليكَ، وفَوَّضْتُ أمري إليكَ، وألجأْتُ ظَهْري إليكَ، رَغبةً ورَهبةً إليكَ، لا ملجأَ ولا مَنْجا منك إلاَّ إليكَ، آمَنتُ بكتابِكَ الذي أنْزَلْتَ، ونبيِّكَ الذي أرْسلتَ؛ واجعلْهُنَّ آخر كلامِكَ فإن مِتَّ مِن ليلتِك مِتَّ على الفِطْرة].
وفى "صحيح البخاري" عن عائشة أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: [كان إذا صلَّى ركعتي الفجرِ يعنى سُنَّتَها اضْطَّجَعَ على شِقِّه الأيمنِ].
وقد قيل: إنَّ الحكمة في النوم على الجانب الأيمن، أن لا يستغرقَ النائم في نومه، لأن القلب فيه ميلٌ إلى جهة اليسار، فإذا نام على جنبه الأيمن، طلب القلبُ مُستقَرَّه من الجانب الأيسر، وذلك يمنع من استقرار النائم واستثقاله في نومه، بخلاف قراره في النوم على اليسار، فإنه مُستقَرُّه، فيحصُل بذلك الدَّعةُ التامة، فيستغرق الإنسان في نومه، ويَستثقِل، فيفوتُه مصالح دينه ودنياه.
ولما كان النائمُ بمنزلة الميت، والنومُ أخو الموت ولهذا يستحيل على الحيِّ الذي لا يموت، وأهلُ الجنَّة لا ينامون فيها كان النائم محتاجاً إلى مَن يحرُس نفسه، ويحفظُها مما يَعْرِضُ لها من الآفات، ويحرُسُ بدنه أيضاً من طوارق الآفات، وكان ربُّه وفاطرُه تعالى هو المتولي لذلك وحدَه. علَّم النبي صلى الله عليه وسلم النائمَ أن يقولَ كلماتِ التفويضِ والالتجاء، والرغبة والرهبة، ليَستدعىَ بها كمال حفظِ الله له، وحراسته لنفسه وبدنه، وأرشده مع ذلك إلى أن يَستذكِرَ الإيمانَ، وينامَ عليه، ويجعلَ التكلُّمَ به آخرَ كلامه، فإنه ربما توفاه الله في منامه، فإذا كان الإيمانُ آخِرَ كلامه دخل الجنَّة، فتضمَّن هذا الهَدْىُ في المنام مصالحَ القلب والبدن والروح في النوم واليقظة، والدنيا والآخرة، فصلواتُ الله وسلامُه على مَن نالتْ به أُمتُه كُلَّ خير
وقوله: (أسلَمتُ نفْسي إليكَ) أي: جعلتُها مُسلَّمَةً لك تسليمَ العبدِ المملوك نفسَه إلى سيده ومالكه.
وتوجيهُ وجهه إليه: يتضمَّن إقبالَه بالكلِّية على ربه، وإخلاص القصد والإرادة له، وإقراره بالخضوع والذل والانقياد، قال تعالى: (فَإنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ للهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ). وذكر الوجهَ إذ هو أشرفُ ما في الإنسان، ومَجْمَعُ الحواس، وأيضاً ففيه معنى التوجُّهِ والقصدِ من قوله:
أسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنباً لَسْتُ مُحْصِيَهُ ... رَبّ الْعِبَادِ إلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ
وتفويض الأمر إليه: ردُّهُ إلى الله سبحانه، وذلك يُوجب سُكون القلب وطمأنينتَه، والرِّضى بما يقضيه ويختارُه له مما يحبه ويرضاه، والتفويضُ من أشرف مقامات العبودية، ولا عِلَّة فيه، وهو من مقامات الخاصة خلافاً لزاعمي خلاف ذلك.
وإلجاءُ الظَّهر إليه سبحانه: يَتضَمَّنُ قوةَ الاعتماد عليه، والثقة به، والسكونَ إليه، والتوكلَ عليه، فإنَّ مَن أسند ظهره إلى ركن وثيقٍ، لم يخف السقوطَ.
ولمَّا كان للقلب قوَّتان: قوة الطلب، وهى الرغبة، وقوة الهرب، وهى الرهبة، وكان العبد طالباً لمصالحه، هارباً من مضارِّه، جمع الأمرين في هذا التفويض والتوجُّه، فقال: (رغبةً ورهبةً إليك).
¥