ثم أثنى على ربه، بأنه لا مَلجأ للعبد سواه، ولا منجا له منه غيره، فهو الذي يلجأ إليه العبدُ ليُنجِيَه من نفسه، كما في الحديث الآخر: (أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِن سَخَطِكَ، وبمُعَافَاتِكَ من عُقُوبَتِكَ، وأعوذُ بِكَ مِنْكَ)، فهو سبحانه الذي يُعيذ عبدَه ويُنجيه من بأسه الذي هو بمشيئته وقُدرته، فمنه البلاءُ، ومنه الإعانةُ، ومنه ما يُطلب النجاةُ منه، وإليه الالتجاءُ في النجاة، فهو الذي يُلجأ إليه في أن يُنجىَ مما منه، ويُستعاذُ به مما منه، فهو ربُّ كل شيء، ولا يكون شيء إلا بمشيئته: (وَإن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إلاَّ هُوَ) (الأنعام: 17)، (قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللهِ إنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً) (الأحزاب: 17).
ثُمَّ ختم الدعاءَ بالإقرار بالإيمان بكتابه ورسوله الذي هو مَلاكُ النجاة، والفوز في الدنيا والآخرة، فهذا هَدْيُه في نومه.
لَوْ لَمْ يَقُلْ إنِّي رَسُولٌ لَكَا ... نَ شَاهِدٌ فِي هَدْيِهِ يَنْطِقُ
أما بالنسبة لسؤالك الثاني: " هل الجلوس على عتبة الباب مكروه؟ "
فإن كنت أخي الكريم تقصد به الجلوس بخارج البيت أي على بابه (قارعة الطريق) فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
[إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ.
فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا.
قَالَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا.
قَالُوا وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟
قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الْأَذَى وَرَدُّ السَّلَامِ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ]
أخرجه البخاري في " صحيحه " (ك: المظالم والغصب / بـ أفنية الدور والجلوس فيها على الصعدات / ح 2465)، ومسلم في " صحيحه " (ك: اللباس والزينة / بـ النهي عن الجلوس في الطرقات وإعطاء الطريق ... / ح 2121) من حديث أبي سعيد الخدري.
قال الحافظ في " الفتح ":
قَوْلُهُ: (إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ) بِالنَّصْبِ عَلَى التَّحْذِيرِ.
قَوْلُهُ: (الطُّرُقَات) تُرْجِمَ بِالصُّعُدَاتِ وَلَفْظ الْمَتْن " الطُّرُقَات " إِشَارَة إِلَى تَسَاوِيهِمَا فِي الْمَعْنَى , وَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظ " الصُّعُدَات " مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عِنْدَ اِبْن حِبَّان , وَهُوَ عِنْد أَبِي دَاوُد بِلَفْظ " الطُّرُقَات " , وَزَادَ فِي الْمَتْنِ " وَإِرْشَاد السَّبِيل وَتَشْمِيت الْعَاطِسِ إِذَا حَمِدَ " , وَمِنْ حَدِيثِ عُمَرَ عِنْدَ الطَّبَرِيّ وَزَادَ فِي الْمَتْنِ " وَإِغَاثَة الْمَلْهُوفِ ".
قَوْلُهُ: (قَالُوا مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدّ) الْقَائِل ذَلِكَ هُوَ أَبُو طَلْحَة وَهُوَ بَيِّن مِنْ رِوَايَته عِنْد مُسْلِم. قَوْلُهُ: (فَإِذَا أَتَيْتُمْ إِلَى الْمَجَالِسِ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالْمُثَنَّاةِ وَبِإِلَى الَّتِي لِلْغَايَةِ , وَفِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ " فَإِذَا أَبَيْتُمْ " بِالْمُوَحَّدَةِ وَقَالَ: " أَلَّا " بِالتَّشْدِيدِ وَهَكَذَا وَقَعَ فِي كِتَاب الِاسْتِئْذَان بِالْمُوَحَّدَةِ , " وَإِلَّا " الَّتِي هِيَ حَرْف اِسْتِثْنَاءٍ وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَالْمَجَالِس فِيهَا اِسْتِعْمَال الْمَجَالِسِ بِمَعْنَى الْجُلُوسِ , وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ لِلتَّنْزِيهِ لِئَلَّا يَضْعُفَ الْجَالِسُ عَنْ أَدَاء الْحَقّ الَّذِي عَلَيْهِ , وَأَشَارَ بِغَضِّ الْبَصَرِ إِلَى السَّلَامَةِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلْفِتْنَةِ بِمَنْ يَمُرُّ مِنْ النِّسَاءِ وَغَيْرهنَّ وَبِكَفِّ الْأَذَى إِلَى السَّلَامَةِ مِنْ الِاحْتِقَارِ وَالْغِيبَةِ وَنَحْوِهَا , وَبِرَدِّ السَّلَامِ إِلَى إِكْرَامِ الْمَارِّ , وَبِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ إِلَى اِسْتِعْمَالِ جَمِيعِ مَا يُشْرَعُ وَتَرْكِ جَمِيعِ مَا لَا يُشْرَعُ , وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ يَقُولُ بِأَنَّ سَدَّ الذَّرَائِعِ بِطَرِيق الْأَوْلَى لَا عَلَى الْحَتْمِ لِأَنَّهُ نَهَى أَوَّلًا
¥