عَنْ الْجُلُوسِ حَسْمًا لِلْمَادَّةِ , فَلَمَّا قَالُوا: " مَا لَنَا مِنْهَا بُدّ " ذَكَرَ لَهُمْ الْمَقَاصِد الْأَصْلِيَّة لِلْمَنْعِ.
فَعُرِفَ أَنَّ النَّهْيَ الْأَوَّلَ لِلْإِرْشَادِ إِلَى الْأَصْلَحِ , وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ دَفْعَ الْمَفْسَدَةِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ , لِنَدْبِهِ أَوَّلًا إِلَى تَرْكِ الْجُلُوسِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْأَجْرِ لِمَنْ عَمِلَ بِحَقّ الطَّرِيق , وَذَلِكَ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ لِطَلَبِ السَّلَامَةِ آكَدُ مِنْ الطَّمَعِ فِي الزِّيَادَةِ " اهـ.
أما بالنسبة لسؤالك الثالث: " هل أنشودة طلع البدر علينا ثابتة وصحيحة؟ "
فقد وقف العلماء عند هذا النشيد وناقشوه من حيثُ السند والمتن لوجود إشكال في روايته إذ وردت فيه كلمة " ثنيات الوداع " التي اشتهر أنها من جهة الشام وليس من جهة مكة.
قال ابن حجر في " الفتح " (15/ 120):
وَأَخْرَجَ أَبُو سَعِيد فِي " شَرَف الْمُصْطَفَى " وَرَوَيْنَاهُ فِي " فَوَائِد الْخُلَعِيّ " مِنْ طَرِيق عُبَيْد اللَّه اِبْن عَائِشَة مُنْقَطِعًا: لَمَّا دَخَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة جَعَلَ الْوَلَائِد يَقُلْنَ:
طَلَعَ الْبَدْر عَلَيْنَا ... مِنْ ثَنِيَّة الْوَدَاع
وَجَبَ الشُّكْر عَلَيْنَا ... مَا دَعَا لِلَّهِ دَاعٍ
وَهُوَ سَنَد مُعْضَل , وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ فِي قُدُومه مِنْ غَزْوَة تَبُوك.اهـ.
ورواه البيهقي في " الدلائل " (2/ 506) بإسناد ضعيف جداً لإعضاله فإن بين ابن عائشة وبين النبي صلى الله عليه وسلم مفاوز؛ إذ توفي سنة 228 هـ، وقد قَبِلَ المباركفوري ترجيح المنصورفوري كما في " رحمة للعالمين " (1/ 106) في ورود هذا النشيد عند مقدمه إلى المدينة من مكة على أساس أن له دلالة لايمكن ردها.
ولا يوافق ابن القيم في " زاد المعاد " على قول من قال أن ذلك كان حين مقدمه من مكة إلى المدينة.
أما عرجون في كتابه " محمد رسول الله " (2/ 602):
فقد ذكر أن النشيد المشهور في المواهب اللدنية، وأن القسطلاني قال في المواهب – بعد سياقه حديث أنس: [وصعدت ذوات الخدور على الأجاجير – الأسطحة – عند قدومه صلى الله عليه وسلم يقلن: طلع البدرُ علينا ... ].
ويرى عرجون صحة نسبة النشيد إلى حادثة قدومه إلى داخل المدينة – دار أبي أيوب -، ويوَفِقُ بين الروايات ويناقشها ولا يستبعد تكرار إنشاد النشيد في زمن عودته من تبوك.
فليراجع: (2/ 601 – 611).
ونحنُ نميل مع عرجون إلى تعدد إنشاد النشيد وإلى أن ثنيات الوداع ليست إلى جهة الشام فقط.
انظر مناقشة أبي تراب الظاهري لهذه المسألة في " الأثر المُقتفى لقصة هجرة المصطفى " صـ 155 – 162.
مستفاد من " السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية " صـ 285 بتصرف يسير.