تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأيضاً: فإن من ينفي الصفات الخبرية – أو الصفات مطلقاً – لا يحتاج إلى أن يقول: بلا كيف ... وأيضاً: فقولهم (أمروها كما جاءت) يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه، فإنها جاءت ألفاظ دالة على معاني؛ فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال: أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد؛ أو أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة، وحينئذٍ فلا تكون قد أمرت كما جاءت، ولا يقال حينئذٍ بلا كيف؛ إذ نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول).

ومما يؤكد أن مراد السلف بـ "الإمرار" هو الإثبات والإقرار، وليس التفويض والتجهيل؛ استعمالهم لهذا التعبير وشبهه في غير أحاديث الصفات، مما يقطع المرء به أن مرادهم حقيقة المعنى الذي دل عليه اللفظ، كقول الإمام أحمد في رسالة (السنة) برواية الإصطخري: (والكف عن أهل القبلة، ولا تكفر أحداً منهم بذنب، ولا تخرجه من الإسلام بعمل، إلا أن يكون في ذلك حديث، فيروى الحديث كما جاء، وكما روي، وتصدقه وتقبله، وتعلم أنه كما روي، نحو ترك الصلاة، وشرب الخمر، وما أشبه ذلك).

وقال في رسالة السنّة التي رواها عبدوس بن مالك العطار – رحمه الله -: (ومن السنّة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقبلها ويؤمن بها لم يكن من أهلها: الإيمان بالقدر خيره وشره، والتصديق بالأحاديث فيه والإيمان بها، لا يقال: لمّ ولا كيف؟ إنما هو التصديق والإيمان. ومن لم يعرف تفسير الحديث ويبلغه عقله، فقد كفي ذلك وأحكم له، فعليه الإيمان به والتسليم له مثل حديث الصادق المصدوق، ومثل ما كان مثله في القدر، ومثل أحاديث الرؤية كلها، وإن نبت عن الأسماع، واستوحش منها المستمع، فإنما عليه الإيمان بها. وألا يرد منها حرفاً واحداً وغيرها من الأحاديث المأثورات عن الثقات ... – إلى أن قال عن حديث الرؤية -: والحديث عندنا على ظاهرة كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، والكلام فيه بدعة، ولكن نؤمن به كما جاء على ظاهره، ولا نناظر فيه أحداً، والإيمان بالميزان يوم القيامة كما جاء ... ).

فهذا إمام أهل السنّة – أحمد بن حنبل – يسوق الكلام في نصوص

الوعيد، والقدر والصفات والقيامة سوقاً واحداً تروى الأحاديث كما جاءت على ظاهرها الذي دلت عليه. ومعلومٌ أن أهل السنّة يثبتون المعنى الذي دلت عليه نصوص الوعيد والقدر وأخبار القيامة، ولا يفوضون معانيها، فذلك الحال في نصوص الصفات.

==============

ثانياً: نفي المعاني عن النصوص:

1 - روى الخلال بسنده عن حنبل قال: (سألت أبا عبدالله عن الأحاديث التي تروى: "إن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا"، و "أن الله يُرى"، و "إن الله يضع قدمه"، وما أشبهه؟ فقال أبو عبدالله: نؤمن بها ونصدق بها، ولا كيف ولا معنى). ففي هذا النص نفي للمعنى.

فاتخذ المبتدعة من هذه الجملة دليلاً على أن السلف

يفوضون المعاني ولا يثبتونها، لكنه استدلالٌ باطل بلا ريب، فإن مراد الإمام أحمد – رحمه الله – نفى المعاني الباطلة التي ابتكرها المبتدعة لصرف النصوص وتحريفها عن معانيها الأصلية، وأطلقوا على تحريفهم ذاك اسم التأويل)، وقد كان ذلك رائجاً في عهده – رحمه الله – بين الجهمية وفروعهم.

ويدل على ذلك من كلامه هذا خاصة – فضلاً عن عامة كلامه – ما يلي:

أولاً: أنه قرر أولاً فقال: (نؤمن بها ونصدق بها)، وهل يكون إيمان وتصديق بمجاهيل لفظية، وعبارات خالية من المعاني؟ حاشا وكلا.

ثانياً: أنه قابل الإثبات بما يخالفه من الطرائق الباطلة فقال: (ولا كيف

ولا معنى):

(أ) فقوله: (لا كيف) ردٌّ على المشبهة التي تثبت كيفيات معهودة في الذهن من صفة المخلوقين.

(ب) قوله: (ولا معنى) ردٌّ على المعطلة التي تنفي المعنى الصحيح، وتستبدله بمعانٍ مختلفة.

فصار كلامه – رحمه الله – جامعاً بين الإثبات الذي هو طريقة السلف والرد على طري الضلال: المشبهة والمعطلة.

ثالثاً: أن في تتمة كلامه ما يؤكد أوله. فقد قال في رواية حنبل إثر ما سبق: ( ... ولا نرد منها شيئاً، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق إذا كانت بأسانيد صحاح، ولا نرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله، ولا يوصف الله- تعالى – بأكثر مما وصف به نفسه، أو صفه به رسوله صلى الله عليه وسلم بلا حدّ ولا غاية (ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير)، ولا يبلغ الواصفون

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير