وقال أحمد حدثنا إسحاق بن يوسف قال حدثنا عبد الملك قال كتب عمر بن عبد العزيز إلى أمير أهل مكة ينهاهم عن إجارة بيوت مكة وقال إنه حرام وحكى أحمد عن عمر أنه نهى أنه يتخذ أهل مكة للدور أبوابا لينزل البادي حيث شاء وحكي عن عبدالله ابن عمر عن أبيه أنه نهى أن تغلق أبواب دور مكة فنهى من لا باب لداره أن يتخذ لها بابا ومن لداره باب أن يغلقه وهذا في أيام الموسم
قال المجوزون للبيع والإجارة الدليل على جواز ذلك كتاب الله وسنة رسوله وعمل أصحابه وخلفائه الراشدين قال الله تعالى (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم) الحشر 8 وقال (فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم) آل عمران 195 وقال (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم) الممتحنة 9
فأضاف الدور إليهم وهذه إضافة تمليك وقال النبي صلى الله عليه وسلم وقد قيل له أين تنزل غدا بدارك بمكة فقال وهل ترك لنا عقيل من رباع ولم يقل إنه لا دار لي بل أقرهم على الإضافة وأخبر أن عقيلا استولى عليها ولم ينزعها من يده
وإضافة دورهم إليهم في الأحاديث أكثر من أن تذكر كدار أم هانىء ودار خديجة ودار أبي أحمد بن جحش وغيرها وكانوا يتوارثونها كما يتوارثون المنقول ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم وهل ترك لنا عقيل من منزل وكان عقيل هو ورث دور أبي طالب فإنه كان كافرا ولم يرثه علي رضي الله عنه لاختلاف الدين بينهما فاستولى عقيل على الدور
ولم يزالوا قبل الهجرة وبعدها بل قبل المبعث وبعده من مات ورث ورثته داره إلى الآن وقد باع صفوان بن أمية دارا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه بأربعة آلاف درهم فاتخذها سبحنا
وإذا جاز البيع والميراث فالإجارة أجوز وأجوز
فهذا موقف أقدام الفريقين كما ترى وحججهم في القوة والظهور فلا تدفع وحجج الله وبيناته لا يبطل بعضها بعضا بل يصدق بعضها بعضا ويجب العمل بموجبها كلها والواجب اتباع الحق أين كان
فالصواب القول بموجب الأدلة من الجانبين وأن الدور تملك توهب وتورث وتباع ويكون نقل الملك في البناء لا في الأرض والعرصة فلو زال بناؤه لم يكن له أن يبيع الأرض وله أن يبنيها ويعيدها كما كانت وهو أحق بها يسكنها ويسكن فيها من شاء وليس له أن يعاوض على منفعة السكنى بعقد الإجارة فإن هذه المنفعة إنما يستحق أن يقدم فيها على غيره ويختص بها لسبقه وحاجته فإذا استغنى عنها لم يكن له أن يعارض عليها كالجلوس في الرحاب والطرق الواسعة والإقامة على المعادن وغيرها من المنافع والأعيان المشتركة التي من سبق إليها فهو أحق بها ما دام ينتفع فإذا استغنى لم يكن له أن يعاوض وقد صرح أرباب هذا القول بأن البيع ونقل الملك في رباعها إنما يقع على البناء لا على الأرض ذكره أصحاب أبي حنيفة
فإن قيل فقد منعتم الإجارة وجوز تم البيع فهل لهذا نظير في الشريعة والمعهود في الشريعة أن الإجارة أوسع من البيع فقد يمتنع البيع وتجوز الإجارة كالوقف والحر فأما العكس فلا عهد لنا به
قيل كل واحد من البيع والاجارة عقد مستقل غير مستلزم للآخر في جوازه وامتناعه وموردهما مختلف وأحكامها مختلفة وإنما جاز البيع لأنه وارد على المحل الذي كان البائع أخص به من غيره وهو البناء وأما الإجارة فإنما ترد على المنفعة وهي مشتركة وللسابق إليها حق التقدم دون المعاوضة فلهذا أجزنا البيع دون الإجارة فإن أبيتم إلا النظير قيل هذا المكاتب يجوز لسيده بيعه ويصير مكاتبا عند مشتريه ولا يجوز له إجارته إذ فيها إبطال منافعه وأكسابه التي ملكها بعقد الكتابة والله أعلم على أنه لا يمنع البيع وإن كانت منافع أرضها ورباعها مشتركة بين المسلمين فإنها تكون عند المشترى كذلك مشتركة المنفعة إن احتاج سكن وإن استغنى أسكن كما كانت عند البائع فليس في بيعها إبطال اشتراك المسلمين في هذه المنفعة كما أنه ليس في بيع المكاتب إبطال ملكه لمنافعه التي ملكها بعقد المكاتبة ونظير هذا جواز بيع أرض الخراج التي وقفها عمر رضي الله عنه على الصحيح الذي استقر الحال عليه من عمل الأمة قديما وحديثا فإنها تنتقل إلى المشترى خراجية كما كانت عند البائع وحق المقاتلة إنما هو في خراجها وهو لا يبطل بالبيع
وقد اتفقت الأمة على أنها تورث فإن كان بطلان بيعها لكونها وقفا فكذلك ينبغي أن تكون وقفيتها مبطلة لميراثها وقد نص أحمد على جواز جعلها صداقا في النكاح فإذا جاز نقل الملك فيها بالصداق والميراث والهبة جاز البيع فيها قياسا وعملا وفقها والله أعلم) انتهى.
ـ[أبو عبدالله الجبوري]ــــــــ[12 - 01 - 05, 02:05 ص]ـ
جزاك الله خيرا ياشيخ عبدالرحمن ...
فما هي نتيجة بحثكم هل توافقون ابن القيم ...
ثم انني قرأت كلام الامام ابي عبيد القاسم ابن سلام في كتاب الأموال، باب فتح الأرض تؤخذ عنوة، فهمت من كلامه أن من اسباب ترك قسمة مكة مع انها فتحت عنوة لهذا المعنى " أنها لا تباع رباعها، ولايطيب كراء بيوتها، وأنها مسجد لجماعة المسلمين " ....
¥