قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
(قوله: "ولا يرفع حَدَثَ رَجُلٍ طَهُورٌ يَسيرٌ خَلَتْ به امرأةٌ لطَهَارةٍ كَامِلةٍ عن حََدَثٍ". "حَدَثَ" هذا قيد، "رجل" قيد آخر، "طَهُور يسيرٌ" قيد ثالث، "خلت به" قيد رابع، "امرأة" قيد خامس، "لطهارة كاملة" قيد سادس،"عن حَدَث" قيد سابع. إذا تمَّت هذه القيودُ السَّبعةُ ثَبَتَ الحكم، فإذا تطهَّرَ به الرَّجُلُ عن حَدَثٍ لم يرتفع حدثُه، والماء طَهُور.
مثال ذلك: امرأة عندها قِدْرٌ من الماء يسع قُلَّةً ونصفاً ـ وهو يسير في الاصطلاح ـ خَلَت به في الحمَّام، فتوضَّأت منه وُضُوءاً كاملاً، ثم خرجت فجاء الرَّجُلُ بعدها ليتوضَّأَ به، نقول له: لا يرفعُ حَدَثَك.
والدَّليل: نهيُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أن يغتسل الرَّجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرَّجل (1). وأُلحقَ به الوُضُوءُ.
فنهى النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عن الوُضُوء به، والنهي يقتضي الفساد، فإن توضَّأ فقد فعل عبادة على وجه منهيٍّ عنه فلا تكون صحيحة.
ومن غرائب العلم: أنهم استدلُّوا به على أن الرَّجل لا يتوضَّأ بفضل المرأة، ولم يستدلُّوا به على أن المرأة لا تتوضَّأ بفضل الرَّجل (1)، وقالوا: يجوز أن تغتسلَ المرأةُ بفضل الرَّجل، فما دام الدَّليل واحداً، والحكم واحداً والحديث مقسَّماً تقسيماً، فما بالنا نأخذ بقسم، ولا نأخذ بالقسم الثَّاني؛ مع العلم بأن القسم الثاني قد ورد في السُّنَّة ما يدلُّ على جوازه، وهو أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ اغتسل بفضل ميمونة (2) ولم يرد في القسم الأوَّل ما يدلُّ على جواز أن تغتسل المرأة بفضل الرَّجل، وهذه غريبة ثانية
وقوله: "حَدَثَ رجُلٍ" يُفهم منه أنه لو أراد هذا الرَّجل أن يُزيل به نجاسة عن بدنه أو ثوبه فإنها تطهُر، وكذلك لو غسل يديه من القيام من نوم الليل؛ لأنَّه ليس بحدث. ويُفهم منه أيضاً أنه لو تَطَهَّرت به امرأة بعد امرأة فإنه يجوز؛ لقوله: "حَدَثَ رَجُلٍ".
وقوله: "يسير" يفهم منه أنه لو كان كثيراً فإنه يرفع حَدثه، والدَّليل أنَّه في بعض ألفاظ حديث ميمونة "في جَفْنَةٍ" (3) والجَفْنَةُ يسيرة.
وقوله: "خَلَتْ به" تفسير الخَلوة على المذهب: أن تخلوَ به عن مشاهدة مميِّز، فإن شاهدها مميِّزٌ زالت الخلوةُ ورَفعَ حَدَثَ الرَّجُلِ (1).
وقيل: تخلو به؛ أي: تنفرد به بمعنى تتوضَّأ به (1)، ولم يتوضَّأ به أحدٌ غيرها. وهذا أقرب إلى الحديث؛ لأنَّ ظاهره العموم، ولم يشترط النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أن تخلوَ به.
وقوله: "لطهارة كاملة" يُفهم منه أنه لو خلت به في أثناء الطَّهارة، أو في أولها، أو آخرها، بأن شاهدها أحد في أوَّل الطَّهارة ثم ذهب، أو قبل أن تُكمل طهارتها حضر أحدٌ، فإنه يرفعُ حدثه؛ لأنَّه لم تَخْلُ به لطهارة كاملة.
وقوله: "عن حَدَث" أي: تَطَهَّرتْ عن حَدَث، بخلاف ما لو تطهَّرتْ تجديداً للوُضُوء، أو خَلَتْ به لتغسلَ ثوبها من نجاسة، أو لتستنجيَ، فإنه
يرفعُ حَدَث الرَّجل؛ لأنها لم تخلُ به لطهارة عن حَدَث.
هذا حكم المسألة على المذهب.
والصَّحيح: أنَّ النَّهي في الحديث ليس على سبيل التَّحريم، بل على سبيل الأَوْلَويَّة وكراهة التنزيه؛ بدليل حديث ابن عبَّاس رضي الله عنهما: اغتسل بعضُ أزواج النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ في جَفْنَة، فجاء النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ـ ليغتسل منها، فقالت: إني كنت جُنباً. فقال: "إن الماء لا يُجنب" (1) وهذا حديث صحيح.
وهناك تعليل؛ وهو أن الماء لا يُجنب يعني أنها إذا اغتسلت منه من الجنابة فإن الماء باقٍ على طَهُوريته.
فالصَّواب: أن الرَّجل لو تطهَّر بما خلت به المرأةُ؛ فإن طهارته صحيحة ويرتفع حدثه، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (2).
وخلاصة كلامهم: أنه إذا تمت الشُّروط التي ذكروها وغمس يده في الماء قبل غسلها ثلاثاً فإنه يكون طاهراً لا طَهُوراً.
والصَّواب أنه طَهُور؛ لكن يأثم من أجل مخالفته النهي؛ حيث غمسها قبل غسلها ثلاثاً.
¥