ومن أجل ضعف هذا القول قالوا ـ رحمهم الله ـ: إذا لم يجد الإنسان غيره استعمله ثم تيمَّم من باب الاحتياط (1) فأوجبوا عليه طهارتين، ولكن أين هذا الإيجاب في كتاب الله، أو سُنَّة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم!؟ فالواجب استعمال الماء أو التُّراب، لكن لشعورهم ـ رحمهم الله ـ بضعف هذا القول بأن الماء ينتقل من الطَّهُورية إلى الطَّهارة قالوا: يستعمله ويتيمَّم.
فإن قيل: ما الحكمة في النَّهي عن غمس اليد قبل غسلها ثلاثاً لمن قام من النَّوم؟
أُجيب: أنّ الحكمة بيَّنها النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بقوله: "فإنَّ أحدكم لا يدري أين باتت يدُه".
فإن قال قائل: وضعت يدي في جِراب، فأعرفُ أنها لم تمسَّ شيئاً نجساً من بدني، ثم إنني نمت على استنجاء شرعي، ولو فُرض أنَّها مسَّت الذَّكر أو الدُّبر فإنَّها لا تنجُس؟
فالجواب: أن الفقهاء ـ رحمهم الله ـ قالوا: إن العِلَّة غير معلومة فالعمل بذلك من باب التَّعبُّد المحض (1).
لكن ظاهر الحديث أن المسألة معلَّلةٌ بقوله: "فإن أحدكم لا يدري أين باتت يدُه".
وقد ذكر شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أن هذا التَّعليل كتعليله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بقوله: "إذا استيقظ أحدكم من منامه؛ فليستنثر ثلاث مرَّات؛ فإن الشيطان يبيت على خياشيمه" (1) فيمكن أن تكون هذه اليد عبث بها الشيطان، وحمل إليها أشياء مضرَّة للإنسان، أو مفسدة للماء فنهى النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أن يغمس يده حتى يغسلها ثلاثاً (2).
وما ذكره الشيخ ـ رحمه الله ـ وَجِيهٌ، وإلا فلو رجعنا إلى الأمر الحسِّي لكان الإنسان يعلم أين باتت يده، لكن السُّنَّة يفسِّر بعضُها بعضاً.
قوله: "أوْ كان آخرَ غَسْلةٍ زالت بها النجاسة فَطَاهرٌ". الضَّمير يعود إلى الماء القليل، والمعروف عند الفُقهاء أنه لابُدَّ لطهارة المحلِّ المُتَنَجِّس أن يُغسل سبعَ مرات (3)، فالغسلة الأولى إلى السادسة كلُّ المنفصل من هذه الغسلات نجس؛ لأنه انفصل عن محلٍّ نجس.
مثاله: رجل يغسل ثوبه من نجاسة فالذي ينفصل من الماء من الغسلة الأولى إلى السَّادسة نجس؛ لأنه انفصل عن محَلٍّ نجس وهو يسير، فيكون قد لاقى النَّجاسة وهو يسير، وما لاقى النَّجاسة وهو يسير فإنه ينجس بمجرَّد الملاقاة.
أما المنفصل في الغسلة السَّابعة فيكون طاهراً غير مطهِّر؛ لأنَّه آخر غسلة زالت بها النَّجاسة، فهو طاهر؛ لأنه أثَّر شيئاً وهو التطهير، فلما طَهُرَ به المحلُّ صار كالمستعمل في رفع حَدَث، ولم يكن نجساً لأنَّه انفصل عن محلٍّ طاهر، وأما المنفصل عن الثَّامنة فطَهُورٌ؛ لأنَّه لم يؤثِّر شيئاً ولم يُلاقِ نجاسة. وهذا إذا كانت عين النَّجاسة قد زالت، وإذا فُرِضَ أن النَّجاسة لم تزل بسبع غسلات، فإن ما انفصل قبل زوال عين النَّجاسة نجسٌ لأنه لاقى النَّجاسة وهو يسير.
..........
)
الخ
الخ
ـ[أبو بكر الأمريكي]ــــــــ[14 - 01 - 05, 03:20 ص]ـ
جزاكم الله خيراً
قال الحافظ في الفتح في شرحه على الحديث (193):
ونقل الميموني عن أحمد أن الأحاديث الواردة في منع التطهر بفضل المرأة وفي جواز ذلك مضطربة , قال: لكن صح عن عدة من الصحابة المنع فيما إذا خلت به ,
ثم علق الحافظ على كلامه: وعورض بصحة الجواز عن جماعة من الصحابة منهم ابن عباس والله أعلم. انتهى
وقال الأثرم: سمعت أبا عبدالله يُسْأل عن الوضوء من فضل المرأة.
فقال: إذا خلت به فقد كرهه غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأما إذا كانا جميعا فلا بأس به، واحتج بحديث عائشة (ق / 4 / ب) ((كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد)).
فالذي يظهر أن أحمد اعتمد على آثار الصحابة ولم يعتمد على حديث مرفوع
ثم قال الأثرم بعد ذلك بقليل: قلت لأبي عبدالله مرة أخرى فضل فضل المرأة؟
قال: إذا خلت به، فلا يتوضأ منه، إنما النبي صلى الله عليه وسلم رخص أن يتوضأَ جميعا، وذكر حديث الحكم بن عمرو، وقال: هو يرجع إلى أنه إذا خلت به إلى الكراهية.
قد يفهم من هذا أن أحمد يصحح حديث الحكم لكن ليس صريحاً في التصحيح وكأنه استأنس به ولم يحتج به.
وقال الترمذي في العلل الكبير: سألت مُحمدًا عن هذا الحديث (يعني: حديث الحكم الغفاري) فقال ليس بصحيح وحديث عبد الله بن سرجس في هذا الباب هو موقوف ومن رفعه فهو خطأ انتهى
والترمذي إنما حسن حديث الحكم ولم يصححه وهذا يدل على أن الحديث ليس بثابت عنده.
وكذلك أشار الدارقطني في سننه إلى أن حديث الحكم قد روي موقوقاً
فالأحاديث المرفوعة في المنع لا يبقى إلا حديث حميد الحميري ويبدو أن أحمد لا يذهب إليه. لأنه لو ذهب إليه لما فرق بين وضوء المرأة من فضل الرجل وبين وضوء الرجل بفضل المرأة.
فهل يمكن أن يقال أن أحمد لم يحتج بهذا الحديث لأنه لا يوجد أحد يقول بموجبه فيكون غريباً سنداً ومتناً وإن كان رجال الإسناد ثقات؟
وقد ظهر لي أمر آخر وهو أن عبد الله بن سرجس والحكم الغفاري رضي الله عنهما سكنا البصرة وحميد الحميري أيضاً بصري فلعل الصحابي المبهم في هذا الحديث أحد هذين فيرجع الحديث إلى أحد منهما وقد أعل بعض أهل العلم حديث كل منهما بالوقف.
فلعل هذا ما جعل أحمد يقول أن أحاديث المنع والجواز كلها مضطربة. فما رأيكم جزاكم الله خيراً؟
¥