2 - إن تشريع الجهاد في الإسلام لم يكن لإرغام أحد على الدخول في الإسلام كما زعموا، وإنما كان للدفاع عن العقيدة وتأمين سبلها ووسائلها، وتأمين المعتنقين للإسلام، وردِّ الظلم والعدوان، وإقامة معالم الحق، ونشر عبادة الله في الأرض، فلما تمالأ المشركون على المسلمين أمرهم الله بقتالهم عامة، ثم ماذا يقول هؤلاء المغرضون في قوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرُّوهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين.
إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولَّوهم، ومن يتولَّهم فأولئك هم الظالمون) [الممتحنة / 8، 9].
فالإسلام لم يقف عند حدِّ أن من سالَمَنا سالَمْناه، بل لم يمنع من البر بهم والعدل معهم، وعدم الجور عليهم، وكذلك كان موقف القرآن كريماً جدّاً مع الذين قاتلوا المسلمين، وأخرجوهم من ديارهم، أو ساعدوا عليه، فلم يأمر بظلمهم أو البغي عليهم، وإنما نهى عن توليهم بإفشاء الأسرار إليهم أو نصرتهم وإخلاصهم الودِّ لهم، فإن حاربونا حاربناهم، وصدق الله (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا) [البقرة / 190].
3 - نصوص القرآن والسنة الصحيحة تردان على هذا الزعم وتكذبانه.
وقد صرح الوحي بذلك في غير ما آية قال تعالى: (لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي، فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، والله سميع عليم) [البقرة / 256].
وإليك ما ذكره ثقات المفسرين في سبب نزول هذه الآية: روي أنه كان لرجل من الأنصار من بني سالم بن عوف ابنان متنصران قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدما المدينة في نفر من النصارى يحملون الزيت، فلزمهما أبوهما وقال: لا أدعكما حتى تسلما، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله أيدخل بعضي النار وأنا انظر؟ فأنزل الله تعالى: (لا إكراه في الدين …) الآية، فخلَّى سبيلهما.
وقال الزهري سألت زيد بن أسلم عن قوله تعالى: (لا إكراه في الدين …) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين لا يكره أحداً في الدين، فأبى المشركون إلا أن يقاتلوه، فاستأذن الله في قتالهم فأذن له، ومعنى (لا إكراه في الدين) أي: دين الإسلام ليس فيه إكراه عليه.
وقال سبحانه: (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) [يونس / 99].
وقال: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) [الكهف / 29].
فالآية نص في أن من اختار الإيمان فباختياره، ومن اختار الكفر فباختياره، فلا إكراه، ولكن مع هذا التخيير فالله سبحانه يحب الإيمان ويرضاه ويدعو إليه، ويكره الكفر ويحذر منه، ونصوص القرآن حافلة في هذا المعنى، ولهذا عقَّب الله التخيير بقوله محذراً ومنفراً: (إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها) [الكهف / 29].
والكفر رأس الظلم، فلا يتوهمن أحد أن حمل الآية على التخيير وعدم الإكراه يشعر بإباحة الكفر أو الرضا به، حاشا لله أن يكون هذا، ولعل خوف هذا التوهم هو الذي حدا كثيراً من المفسرين على حمل الآية على التهديد والوعيد، حتى مثَّل علماء البلاغة للأمر الذي يراد به التهديد بهذه الآية، فالآية بنصها تخيير، ولكنه تخيير يستلزم تهديداً ووعيداً لا محالة في حال اختيار الكفر على الإيمان، وهي نصوص صريحة في عدم الإكراه على الإسلام.
وأما السنة فقد جاءت مؤيدة لما جاء به القرآن، وإليك طرفاً منها:
روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً، ثم قال: " اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغُلُّوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال، أو خلال، فأيتهنَّ ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكُفَّ عنهم ... فإن هم أبَوا فسَلْهم الجزية، فإن أجابوك فاقبل منهم وكُفَّ عنهم، فإن هم أبَوا فاستعن بالله وقاتلهم "، وهكذا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر
¥