لقد وسع النبي e الناس برحمته فكان أبغضُ الناس إليه أحبَّ الناس إليه قال تعالى: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك).
وقد جاء عمر إلى النبي e يريد قتله والقضاء عليه، فما لبث إلا أن صار مؤمناً نصر الله به الدين.
وكان النبي e رحيما حتى بأعدائه فكان يعفو عنهم مع كامل القدرة عليهم، ولم يكن ليتعامل معه بالقوة والقهر، فقد قال لهم بعد فتح مكة: (ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم. فقال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
وعندما توشح المشرك سيفه وهو غورث بن الحارث، وقام على رأس رسول الله بالسيف وقال له: من يمنعك مني؟ قال: الله. فسقط السيف من يده فأخذه رسول الله e ، وقال: «من يمنعك؟» قال: كن خير آخذ، قال: «تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟» قال: أعاهدك على أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، قال: فخلى رسول الله e سبيله فجاء إلى قومه، فقال: جئتكم من عند خير الناس ([1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn1)).
ولم يستغلها النبي e فرصة لإجباره على الإسلام.
وعندما بعث رسول الله e سعد بن عبادة في كتيبة من الأنصار أمرهم أن يكفوا أيديهم فلا يقاتلوا أحداً إلا من قاتلهم. ولما قال سعد: اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة، أرسل رسول الله e إلى سعد بن عبادة فعزله ([2] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn2)).
وعن ابن عمر أن رسول الله e رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة فأنكر ذلك ونهى عن قتل النساء والصبيان ([3] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn3)).
وكان e ينهى أصحابه عن قتال من لم يقاتل، فعن أنس قال «كنا إذا استنفرنا نزلنا بظهر المدينة حتى يخرج إلينا رسول الله e ، فيقول انطلقوا بسم الله وفي سبيل الله تقاتلون أعداء الله، لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً صغيراً، ولا امرأة، ولا تغلوا» ([4] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn4)).
وهكذا كان الصحابة من بعده فقد أوصى أبو بكر حينما بعث جيوشاً إلى الشام وقال ليزيد بن أبي سفيان: وإني موصيك بعشر لا تقتلن امرأة ولا صبياً ولا كبيرا هرما ولا تقطعن شجرا مثمرا ولا تخربن عامرا ولا تعقرن شاة ولا بعيراً إلا لمأكلة ولا تحرقن نحلاً ولا تغرقنه ولا تغلل ولا تجبن ([5] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn5)).
فالإسلام إنما انتشر بالحب والعقيدة التي أكرمت الإنسان وحررته من سوى الله جل وعلا، واعترفت بحاجات الناس فلم تعارضها، بل كانت مقرة بها وشرعت لها ما يناسبها من تعاليم وأحكام، فكانت صالحة لكل زمان ومكان.
وقد اعترض الإمام ابن القيم رحمه الله على من يعتمد في الخطبة على السيف إشارة إلى أن الدين فتح به، فقال: وكثير من الجهلة كان يمسك السيف على المنبر إشارة إلى أن الدين إنما قام بالسيف، وهذا جهل قبيح من وجهين أحدهما: أن المحفوظ أنه e توكأ على العصا وعلى القوس. الثاني: أن الدين إنما قام بالوحي وأما السيف فلمحق أهل الضلال والشرك ومدينة النبي e التي كان يخطب فيها إنما فتحت بالقرآن ولم تفتح بالسيف ([6] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn6)).
والإسلام أعطى الحرية الكاملة لاعتقادات الناس، فلم يكره أحداً على الدين يقول تعالى (لا إكراه في الدين)، عن ابن عباس أنه قال: نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له الحصين، كان له ابنان نصرانيان، وكان هو رجلاً مسلماً، فقال للنبي e : ألا أستكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية؟ فأنزل الله فيه ذلك ([7] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn7)).
وقد شرعت الجزية لمن لا يريد الدخول في الإسلام، وهي مبلغ زهيد وذلك مقابل حمايتهم، وعدم الاشتراك معهم في الدفاع عن الإسلام.
قال الإمام النووي: وقد حمى الإسلام الحنيف أهلَ الذمة وعاشت في ظله ديانات اليهود والنصارى بعد أن كان يضطهد بعضهم بعضاً، ويقتل بعضهم بعضاً فأقر بينهم السكينة والوئام والسلام، وترك لهم حرية الاعتقاد عملاً بقوله تعالى " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " ([8] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn8)).
¥