أما ما ذكره الأخ الكاتب من أن الذي ابتدع ذلك هو الشيخ عبد الله الخليفي (إمام المسجد الحرام رحمه الله تعالى) فليس صحيحا البتة فقد ذكر هذه الصفة العلماء قديما قبل ولادة الخليفي بمئات السنين قال ابن قدامة رحمه الله تعالى " فصل: فأما التعقيب: وهو أن يصلي بعد التراويح نافلة أخرى جماعة أو يصلي التراويح في جماعة أخرى. فعن أحمد: أنه لا بأس به، لأن أنس بن مالك قال: «ما يرجعون إلا لخير يرجونه أو لشر يحذرونه، وكان لا يرى به بأساً، ونقل محمد بن الحكم عنه الكراهة إلا أنه قول قديم. والعمل على ما رواه الجماعة. وقال أبو بكر: الصلاة إلى نصف الليل أو إلى آخره لم تكره رواية واحدة. وإنما الخلاف فيما إذا رجعوا قبل النوم. والصحيح أنه لا يكره. لأنه خير وطاعة فلم يكره كما لو أخره إلى آخر الليل. " ا. هـ المغني 2/ 515 وانظر: الكافي 1/ 154 المبدع 2/ 16 والتعقيب المكروه هو أن يتطوع بعد التراويح والوتر جماعة كما في الإنصاف 2/ 142 شرح منتهى الإرادات 1/ 245 والناس اليوم لا يصلون التهجد بعد الوتر بل لا يوترون إلا في التهجد فزالت الكراهة عند من يقول بها لأنهم كرهوا الصلاة جماعة بعد الوتر لا قبله.
ثانيا: صيام الست من شوال:
لا شك أن صيامها سنة ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم فعن أَبِي أَيوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللّهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتّاً مِنْ شَوال كَانَ كَصِيَامِ الدهْرِ» رواه أحمد (23149) ومسلم (2711)
وصححه النووي رحمه الله تعالى في شرحه لصحيح مسلم 8/ 47
قال الشيخ الجزري: حديث أبي أيوب هذا لا يُشك في صحته ولا يُلتفت إلى كون الترمذي، جعله حسناً ولم يصححه. مرقاة المفاتيح 4/ 544
وقد أطال ابن القيم رحمه الله تعالى في تخريجه وذكر طرقه وشواهده ثم قال " وهذه العلل ـ وإن منعته أن يكون في أعلى درجات الصحيح ـ فإنها لا توجب وهنه، وقد تابع سعداً ويحيى وعبد ربه عن عمر بن ثابت: عثمان بن عمرو الخزاعي عن عمر، لكن قال عن عمر عن محمد بن المنكدر عن أبي أيوب. ورواه أيضاً صفوان بن سليم عن عمر بن ثابت ذكره ابن حبان في صحيحه وأبو داود والنسائي، فهؤلاء خمسة: يحيى، وسعيد، وعبد ربه، بنو سعيد، وصفوان بن سليم، وعثمان بن عمرو الخزاعي كلهم رووه عن عمرو. فالحديث صحيح " ا. هـ تهذيب السنن 6/ 87
وقال المناوي رحمه الله تعالى " قال الصدر المناوي: وطعن فيه من لا علم عنده وغره قول الترمذي حسن والكلام في راويه وهو سعد بن سعيد، واعتنى العراقي بجمع طرقه فأسنده عن بضعة وعشرين رجلاً رووه عن سعد بن سعيد أكثرهم حفاظ أثبات " ا. هـ فيض القدير 6/ 161
وقال السبكي رحمه الله تعالى " قد طعن في هذا الحديث من لا فهم له مغتراً بقول الترمذي إنه حسن يريد في رواية سعد بن سعيد الأنصاري أخي يحيى بن سعيد ... وقد اعتنى شيخنا أبو محمد الدمياطي بجمع طرقه فأسنده عن بضعة وعشرين رجلا رووه عن سعد بن سعيد وأكثرهم حفاظ ثقات منهم السفيانان، وتابع سعداً على روايته أخوه يحيى وعبد ربه وصفوان بن سليم وغيرهم ورواه أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلّم ثوبان وأبو هريرة وجابر وابن عباس والبراء بن عازب وعائشة ولفظ ثوبان «من صام رمضان فشهره بعشرة ومن صام ستة أيام بعد الفطر فذلك صيام السنة» رواه أحمد والنسائي. " ا. هـ سبل السلام 2/ 897
وبهذا يتبين لنا عدم تفرد سعد بن سعيد بروايته.
أما ما ذكره الكاتب من رد الإمامين أبي حنيفة ومالك رحمهما الله تعالى لمشروعية صيامها فجوابه:
أولا: أن هذا رواية عن أبي حنيفة وليست مذهبا للحنفية قال ملا علي القاري الحنفي رحمه الله تعالى في شرح الوقاية " ولا يُكْرَهُ عندنا، وعند الشافعي إِتْبَاعُ عيدِ الفطر بِسِت من شوّال، لقوله صلى الله عليه وسلم «مَنْ صَامَ رمضانَ ثُم أَتْبَعَهُ سِتاً من شوال كانَ كَصِيامِ الدهْرِ». رواه مسلم وأَبو داود. وكَرِهَهُ مالكٌ، وهو رِوَايةٌ عن أَبي حنيفة وأَبي يوسف، لاشْتِمَالِهِ على التشَبهِ بأَهل الكتاب في الزيادة على الفروض، والتشبّه بهم مَنْهِي عنه، وعَامةُ المُتَأَخِّرِينَ لم يَرَوْا به بَأْساً. واختلفوا فيما بينهم، فقيل: الأَفضلُ وَصْلُهَا بِيَوْمِ الفِطْرِ لظاهر قوله: «ثُم أَتْبَعَهُ سِتاً»، وقيل: تَفْرِيقُهَا "
¥