تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[متي ترد العدالة للمذنب التائب؟]

ـ[أبو حمزة النوبي]ــــــــ[09 - 09 - 09, 06:01 م]ـ

التوبة الحكمية: هى إظهار المذنب لتوبته عند الناس بالإقلاع عن معصيته وإظهار الندم، واختلف العلماء في هذا هل تُرد إليه عدالته ــ فتُقبل شهادته وتصح ولايته في النكاح ــ في الحال بمجرد التوبة أم يشترط مضي مدة يتبيّن فيها صلاحه؟ على قولين:

الأول: ترد إليه عدالته في الحال، ودليله قوله تعالى (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) الشورى 25، وقوله تعالى (إن الله يغفر الذنوب جميعا) الزمر 53.

والقول الثاني: يشترط مضي مدة قبل أن ترد إليه عدالته، فإن مضت عليه سنة عمل فيها صالحا بعد توبته ردت إليه العدالة وتبيَّنا صدق توبته. ودليله:

* أن الله تعالى اشترط لصحة التوبة أن يعقبها العمل الصالح، قال تعالى (ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا) الفرقان 71، وقال تعالى (إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم) آل عمران 89، والآيات في هذا المعنى كثيرة، فإذا عمل العبد صالحا بعد توبته تبينا صحة توبته.

* أن أبابكر الصديق رضي الله عنه لما تاب المرتدون منعهم من ركوب الخيل وحمل السلاح، وقال لوفد بُزاخة ــ وهم قوم طليحة الأسدي ــ (تتبعون أذناب الإبل حتى يُرِيَ الله خليفة نبيه صلى الله عليه وسلم والمهاجرون أمراً يعذرونكم به) رواه البخاري (7221) أي ترعون الإبل في البادية حتى تظهر صحة توبتكم، قال ابن حجر (والذي يظهر أن المراد بالغاية التي أنظرهم إليها: أن تظهر توبتهم وصلاحهم بحُسن إسلامهم) (فتح الباري) 13/ 211. فهذه سُنّة خليفة راشد وتابعه الصحابة على ذلك، فهو إجماع للصحابة.

* أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما تاب صبيغ بن عسل ــ بعد مانفاه عمر لبدعته ــ أمر عُمر ألا يُكَلَّم إلا بعد سنة. وهذه أيضا سُنّة خليفة راشد.

فالذي يظهر مما سبق رجحان القول الثاني لقوة أدلته، وهى أدلة مُقَيِّدة لأدلة القول الأول المطلقة. وقد ذكر ابن قدامة رحمه الله القولين ولم يرجح بينهما (المغني مع الشرح الكبير) 12/ 80 ــ 82. وكذلك ذكرهما ابن تيمية رحمه الله ولم يرجح بينهما، فقال (وإذا كان كذلك وتاب الرجل، فإن عمل صالحا سنة من الزمان ولم ينقض التوبة، فإنه يُقبل منه ذلك ويُجالَس ويُكَلَّم. وأما إذا تاب ولم تمض عليه سنة، فللعلماء فيه قولان مشهوران: منهم من يقول: في الحال يُجالس وتقبل شهادته، ومنهم من يقول: لابد من مُضِي سنة كما فعل عمر بن الخطاب بصبيغ بن عسل. وهذه من مسائل الاجتهاد، فمن رأي أن تقبل توبة هذا التائب ويُجالس في الحال قبل اختباره فقد أخذ بقولٍ سائغ، ومن رأي أنه يؤخر مدة حتى يعمل صالحاً ويظهر صدق توبته فقد أخذ بقول سائغ وكلا القولين ليس من المنكرات) (مجموع الفتاوى) 28/ 214 ــ 215. وانظر (مجموع الفتاوى) 7/ 86.

وقد تبيّن لك من الأدلة رجحان القول الثاني وأنه ينبغي أن يُتربَّص به مدة لتبين صدق توبته، وهذا أيضا من السياسة الحسنة، فلو رُدت العدالة للتائب في الحال وخالطه المسلمون أو تولى ولاية على المسلمين ولم يتبين صدق توبته لأمكن أن يُفسد في المسلمين خاصة إذا كانت تهمته الردة والزندقة، فالواجب أن يتربص به وهى سنة الخلفاء الراشدين كما سبق بيانه، وقال ابن تيمية أيضا (ولا استعمل عمر قط، بل ولا أبوبكر على المسلمين منافقاً، ولا استعملا من أقاربهما ولا كان تأخذهما في الله لومة لائم، بل لما قاتلا أهل الردة وأعادوهم إلى الإسلام منعوهم ركوب الخيل وحمل السلاح حتى تظهر صحة توبتهم، وكان عمر يقول لسعد بن أبي وقاص وهو أمير العراق لاتستعمل أحداً منهم ولاتشاورهم في الحرب) (مجموع الفتاوى) 35/ 65. فلو أن ذا ولاية ٍ ارتد ثم تاب فلا ينبغي أن يبقى في ولايته بعد توبته.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير