تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[تنعيم الخط وتدقيقه .. أقوال وطرائف]

ـ[أبو رفيف]ــــــــ[06 - 09 - 09, 05:14 ص]ـ

ذكر الشيخ طاهر الجزائري في كتابه: " توجيه النظر إلى أصول الأثر " (2/ 802، 805) نصوصاً في مدح تنعيم الخط وتدقيقه وأخرى في ذمه، ننقل منها ما يلي:

قال أحمد بن حنبل لابن عمه حنبل بن إسحاق، وقد رآه يكتب خطاً دقيقاً: لا تفعل، فإنه يخونك أحوج ما تكون إليه.

وكان بعض المشايخ إذا رأى خطاً دقيقاً، قال: هذا خط من لا يوقن بالخلف من الله. يريد أنه لو يعلم أن ما عنده من الورق لو توسَّع فيه، لأتاه الخلف من الله، لم يحرص عليه ذلك الحرص، فكأن تدقيقه الخط لعدم إيقانه بالخلف من الله تعالى.

وقال بعض العلماء: إن الذي يكتب الخط الدقيق، ربما يكون قصير الأمل، لا يؤمل أن يعيش طويلاً. وقد يُقال: إنه قد يكون طويل الأمل، غير أنه لا يخطر بباله ضعف البصر في الكبر.

وقد كان أُناسٌ مولعين بتدقيق الخط حتى بعد تقدمهم في السِّن، منهم الحافظ شمس الدين ابن الجزري، ومنهم من المتقدمين أبو عبد الله الصوري، فإنه كتب صحيح البخاري ومسلم في مجلد لطيف، وبيع بعشرين ديناراً.

وذكر بعضهم أن في تدقيق الخط رياضة للبصر، كما يُراض كل عضو بما يخصه، وأن من لم يفعل ذلك وأدمن على سواه، ربما تصعب عليه معاناته فيما بعد إذا دعاه إلى ذلك داعٍ، فيكون كمن ترك الرياضة بالمشي، فإنه يحصل له مشقة فيما بعد، بخلاف من اعتاده أحياناً.

وهذه الكراهة إنما تكون فيما إذا كان ذلك بغير عذر، فإن كان ثمَّ عذرٌ، كأن لا يكون في الورق سعة، أو يكون رحَّالاً يريد حمل كتبه معه لتكون خفيفة المحمل، لم يُكره ذلك. قال محمد بن المسيب الأرغياني: كنت أمشي في مصر، وفي كُمِّي مئة جُزء، وفي كل جزء ألف حديث. وقيل لأبي بكر عبد الله الفارسي، وكان يكتب خطاً دقيقاً: لِمَ تفعل هذا؟ فقال: لقلة الوَرَقِ والوَرِقِ، وخِفَّةِ الحمل على العنق.

تنعيم الخط وتدقيقه، وجمع الكتاب الكبير أو الكتب الكثيرة في مجلد واحد.

قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة - رحمه الله تعالى – مُعَلِّقاً على ما سبق في حاشيته على كتاب: " توجيه النظر إلى أصول الأثر "، للشيخ طاهر الجزائري (2/ 802، 803، 804، 805):

توجهت همم بعض العلماء إلى تنعيم الخط جداً، وجمع الكتاب الكبير أو الكتب الكثيرة في مجلد واحد، بحيث لو طُبع ذلك الكتاب أو ما في ذلك المجلد من كتب في عصرنا هذا لخرج في مجلدات كثيرة جداً. وباعثهم إلى هذا قديماً ثلاثة أسباب:

1 - الفقر، والفقر - كما نعلم - صديق العلماء ورفيقهم.

2 - التخفيف من أثقال كثرة الكتب في الأسفار والارتحال إلى العلماء للسماع منهم والأخذ عنهم، فقد كانوا يحملون كتبهم على ظهورهم ويمشون بها في الأيام والليالي المسافات الطوال، إذ كانوا لفقد المال يفقدون الركوبة أو أجرتها، فإذا نَعَّمُوا خط الكتاب صَغُرَ حجمه، وخَفَّ حمله، وقلت تكلفته. وفي خبر الخطيب التبريزي (ت: 502 هـ) مع كتاب " الهذيب في اللغة " للأزهري شاهد ناطق من حال هؤلاء النفر من العلماء، وقد حكى واقعته هذه ياقوت الحموي في معجم الأدباء (5/ 629)، قالا: يحكى أن سبب رحلته إلى أبي العلاء المعري أنه حصلت له نسخة من كتاب التهذيب في اللغة للأزهري، فجعل الكتاب في مخلاة، وحملها على كتفه من تبريز إلى المعرة، ولم يكن له ما يستأجر به مركوباً، فنفذ العرق من ظهره إليها، فأثر فيها البلل. وهذه النسخة في بعض المكاتب الموقوفة ببغداد إذا رآها من لا يعرف خبرها ظن أنها غريقة، وليس بها سوى عرق الخطيب.

3 - ضيق المكان الذي يعيشون فيه، فالعلماء قديماً كانوا – على الغالب – يسكنون الحُجَر في المدارس، فلا تتسع هذه الحُجْرة للكتب الكثيرة، مع القيام والمنام والطعام فيها.

وأذكر هنا بعض النماذج من تلك الكتب:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير