تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[قال شيخ الإسلام ابن تيمية: اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل]

ـ[الباحث]ــــــــ[19 - 09 - 09, 08:07 م]ـ

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

(اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: اللهم أشكوا إليك جلد الفاجر وعجز الثقة فالواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها فإذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة والآخر أعظم قوة قدم أنفعهما لتلك الولاية: وأقلهما ضررا فيها فتقدم في إمارة الحروب الرجل القوي الشجاع وإن كان فيه فجور فيها على الرجل الضعيف العاجز وإن كان أمينا كما سئل الإمام أحمد: عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو وأحدهما قوي فاجر ولآخر صالح ضعيف مع أيهما يغزي؟ فقال: أما الفاجر القوي فقوته للمسلمين وفجوره على نفسه وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين فيغزى مع القوي الفاجر وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم: [إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر] وروى [بأقوام لا خلاق لهم] فإذا لم يكن فاجرا كان أولى بإمارة الحرب ممن هو أصلح منه في الدين إذا لم يسد مسده.

ولهذا كان النبي صلى الله عليه و سلم يستعمل خالد بن الوليد على الحرب منذ أسلم وقال: [إن خالدا سيف سله الله على المشركين] مع أنه أحيانا كان قد يعمل ما ينكره النبي صلى الله عليه و سلم حتى إنه - مرة - رفع يديه إلى السماء وقال: [اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد] لما أرسله إلى جذيمة فقتلهم وأخذ أموالهم بنوع شبهة ولم يكن يجوز ذلك وأنكره عليه بعض من معه من الصحابة حتى وداهم النبي صلى الله عليه و سلم وضمن أموالهم ومع هذا فما زال يقدمه في إمارة الحرب لأنه كان أصلح في هذا الباب من غيره وفعل ما فعل بنوع تأويل

وكان أبو ذر رضي الله عنه أصلح منه في الأمانة والصدق ومع هذا فقال له النبي صلى الله عليه و سلم: [يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي: لا تأمرن علي اثنين ولا تولين مال يتيم] رواه مسلم نهى أبا ذر عن الإمارة والولاية لأنه رآه ضعيفا مع أنه قد روى: [ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر]

وأمر النبي صلى الله عليه و سلم مرة عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل استعطافا لأقاربه الذين بعثه إليهم على من هم أفضل منه وأمر أسامة بن زيد لأجل ثأر أبيه ولذلك كان يستعمل الرجل لمصلحة مع أنه قد كان يكون مع الأمير من هو أفضل منه في العلم والإيمان

وهكذا أبو خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم رضي الله عنه ما زال يستعمل خالدا في حرب أهل الردة وفي فتوح العراق والشام وبدت منه هفوات كان له فيها تأويل وقد ذكر له عند أنه كان له فيها هوى فلم يعزله من أجلها بل عتبه عليها لرجحان المصلحة على المفسدة في بقائه وأن غيره لم يكن يقوم مقامه لأن المتولي الكبير إذا كان خلفه يميل إلى اللين فينبغي أن يكون خلق نائبه يميل إلى الشدة وإذا كان خلقه يميل إلى الشدة فينبغي أن يكون خلق نائبه يميل إلى اللين ليعتدل الأمر ولهذا كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يؤثر استنابة خالد وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يؤثر عزل خالد واستنابة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه لأن خالدا كان شديدا كعمر بن الخطاب وأبا عبيدة كان لينا كأبي بكر وكان الأصلح لكل منهما أن يولي من ولاه ليكون أمره معتدلا ويكون بذلك من خلفاء رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي هو معتدل حتى قال النبي صلى الله عليه و سلم [أنا نبي الرحمة أنا نبي الملحمة]

وقال: [أنا الضحوك القتال] وأمته وسط قال الله تعالى فيهم: {أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا} وقال تعالى: {أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين} ولهذا لما تولى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما صارا كاملين في الولاية واعتدل منهما ما كان ينسبان فيه إلى أحد الطرفين في حياة النبي صلى الله عليه و سلم من لين أحدهما وشدة الآخر حتى قال فيهما النبي صلى الله عليه و سلم: [اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر] وظهر من أبي بكر من شجاعة القلب في قتال أهل الردة وغيرهم ما برز به على عمر وسائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير