تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من أسرار الذّكر

ـ[أبوروضة]ــــــــ[19 - 09 - 09, 02:17 ص]ـ

من أسرار الذّكر

http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:V30ySfPgxVhSjM:http://3.bp.blogspot.com/_bEhhS7fgtX0/SDXt92notGI/AAAAAAAAAMg/_sGp_HvHjDs/s400/%D9%84%D8%A7%2B%D8%AA%D9%86%D8%B3%2B%D8%B0%D9%83%D 8%B1%2B%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%872.jpg حامد بن عبدالله العلي

إذا كانت عبادة الله وحده لاشريك له، هي سرُّ الوجود الأعظم، فإنّ ذكر الله تعالى هو سرُّ اسرارها، وهيولى بنيانها، وجوهر كيانها، بل هو روحُها، فهي بدونه كالجسد الميت، والجثّة الهامدة.

وإذا جعلنا العبادة بمنزلة نواة الخلية الإنسانية التي منها يتركَّب وجوده المادّي، فإنَّ ذكرالله تعالى هو بمنزلة الحمض النووي الذي يحمل الجينوم داخل تلك الخلية، فلا معنى لها، بل لاوجود لها، بدونه.

ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: (مثل الذي يذكر الله والذي لايذكره كمثل الحيّ، والميت).

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: (الذكر منشور الولاية الذي من أعطيه اتصل، ومن منعه عزل، وهو قوت قلوب القوم الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبورا، وعمارة ديارهم التى إذا تعطلت عنه صارت بورا، وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق، وماؤهم الذي يطفئون به التهاب الطريق، ودواء أسقامهم الذي متى فارقهم انتكست منهم القلوب، والسبب الواصل والعلاقة التي كانت بينهم وبين علام الغيوب.

إذا مرضنا تداوينا بذكركمُ ** ونترك الذكر أحيانا فننتكس

به يستدفعون الآفات، ويستكشفون الكربات، وتهون عليهم به المصيبات، إذا أظلمهم البلاء فإليه ملجؤهم، وإذا نزلت بهم النوازل فإليه مفزعهم، فهو رياض جنتهم التي فيها يتقلبون، وورءوس أموال سعادتهم التي بها يتّجرون، يدع القلب الحزين ضاحكاً مسروراً، ويوصل الذاكر إلى المذكور، بل يدع الذاكر مذكورا) أ. هـ.

والذكر هو أفضل الأعمال على الإطلاق، وهو من حيث هو، أفضل حتَّى من الجهاد في سبيل الله، ولهذا ورد في الحديث الذي رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما: (ألا أدلكم على خير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب، والفضة، وخير لكم من أن تلقوْا عدوّكم، فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله تعالى).

ولكن صار المجاهد أفضل، وثوابه أعظم، لأنّ الذاكر لايطيق أن يبقى بغير انقطاع، بينما يجري للمجاهد ثوابه بغير إنقطاع، ولهذا لما سئل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن عمل يعدل الجهاد قال للسائل: (هل تستطيع أن تصوم فلا تفطر، وتقوم فلا تفتر) قال الصحابي: لا، فقال له: فلا عمل يعدله.

ولأنَّ المجاهد ـ بخلاف الذاكر ـ يمكنه أن يجمع بين الجهاد، وذكر الله تعالى، ولهذا أُمر المجاهدون بذكر الله تعالى حتى في أثناء القتال، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا وأذكرو الله كثيرا لعلكم تفلحون).

ولو لم يكن في ذكر الله تعالى من الفضل إلاّ قوله تعالى: (فأذكروني أذكركم) وما صح في الحديث القدسي (من ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم)، لكفاه فضلا، وشرفا، فأيُّ شيء هو هذا الإنسان، حتى يذكره الله تعالى جل في علاه، في نفسه، ويذكره في الملأ الأعلى؟!

هذا ومن تأمَّل النصوص الواردة في فضل الذكر، يتبين له بجلاء، أنّه لم يرد في فضل شيء من الأعمال ما ورد في فضله، وسبب ذلك أنّ كلّ الأعمال إنما هي رحى تدور على قطب الذكر، فمقصودها كلها هو أن يذكر العبد ربه بها، إما بقلبه، أو بقلبه ولسانه.

ومن تأمل قول العلماء: الذكر ثلاثة أنواع ذكر الأسماء والصفات، ومعانيها، والثناء على الله بها، وتوحيد الله بها، وذكر الأمر، والنهي، والحلال، والحرام، وذكر الآلاء والنعماء، والإحسان، تبيّن له أنَّ الذكر صبغة العمل الصالح كلَّه.

ولهذا اختصر النبيُّ صلى الله عليه وسلم فضله في كلمة واحدة عظيمة، هي قوله (سبق المفرّدون) رواه مسلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير