وهذا القول في التفريق لا يصح فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نبئ بنزول (اقرأ باسم ربك الذي خلق)
وأما قول عائشة رضي الله عنها في الصحيحين: (كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصدقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح).
فالمراد به مقدمات النبوة، لا النبوة نفسها.
فإن بدء النبوة كان بنزول قوله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق).
قال النووي نقلاً عن القاضي عياض وغيره من العلماء: (إنما ابتدىء صلى الله عليه و سلم بالرؤيا لئلا يفجأه الملك ويأتيه صريح النبوة بغتة فلا تحتملها قواه البشرية)
وبنحوه قال غير واحد من أهل العلم رحمهم الله تعالى.
القول الثالث: أن الرسول من أنزل معه كتاب والنبي غير الرسول من لم ينزل عليه كتاب وإنما أمر أن يدعو الناس إلى شريعة من قبله، وهذا قول الزمخشري في تفسيره، واختاره النسفي.
القول الرابع: الرسول من أرسل إلى قوم مخالفين ليبلغهم رسالة الله، والنبي من كان يعمل بشريعة من قبله، ولم يرسل إلى أحد ليبلغه رسالة الله، وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية، نص عليه في رسالة النبوات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: (فالنبي هو الذي ينبئه الله، وهو ينبئ بما أنبأ الله به، فإن أرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله إليه فهو رسول، وأما إذا كان إنما يعمل بالشريعة قبله، ولم يرسل هو إلى أحد يبلغه عن الله رسالة فهو نبي وليس برسول).
وكلام شيخ الإسلام يشكل عليه نبوة آدم عليه السلام، وكذلك اشتراط المخالفة في الرسالة إذ لا أعلم عليه دليلاً، وإن كان دليله استقراء أحوال الرسل والأنبياء على ما ذكر في النصوص، فيقال: قد دل النص على أن لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن، والعداوة تقتضي المخالفة وتدل عليها باللزوم، وكذلك المقاتلة كما في قوله تعالى: (وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير).
لكن قوله تعالى: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدواًَ شياطين الإنس والجن ... ) أصرح في الدلالة لشمولها جميع الأنبياء.
القول الخامس: الرسول من أوحي إليه بشريعة جديدة يدعو الناس إليها، والنبي من بعث لتقرير شرع سابق
وهذا القول ذكره عبد القاهر بن طاهر البغدادي حكاية عن اعتقاد الأشاعرة، واختاره البيضاوي وأبو السعود
وقد حكاه قولاً أبو المظفر السمعاني وأبو حيان.
لكن البغدادي ذكر أن آدم عليه السلام هو أول الرسل.
والبيضاوي أيضاً خالف هذا القول في موضع آخر من تفسيره كما نبَّه إليه العاملي في الكشكول.
قال البيضاوي في تفسير سورة مريم في شأن إسماعيل عليه السلام: ({وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً} يدل على أن الرسول لا يلزم أن يكون صاحب شريعة، فإن أولاد إبراهيم كانوا على شريعته).
هذه الأقوال الخمسة هي أشهر الأقوال في هذه المسألة، وفيها أقوال أخرى غير مشتهرة.
والقول الصحيح هو القول المأثور عن مجاهد رحمه الله، وهو ما قاله الفراء وابن جرير وعليه جمهور أهل العلم لولا ما أثير من الإشكال حول ذلك التعبير الشائع، وقد علمت جوابه.
وأما التفريق بينهما بكون النبي دعوته سرية والرسول دعوته جهرية فيشكل عليه ثلاثة أمور:
الأمر الأول: أني لا أعلم قائلاً به من المتقدمين
الأمر الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان رسولاً حتى زمن الدعوة السرية كما يدل عليه حديث عمرو بن عبسة.
الأمر الثالث: أن آدم عليه السلام نبي ولم تكن دعوته سرية.
والله تعالى أعلم.
منقول
http://www.afaqattaiseer.com/vb/show...?t=3819&page=2 (http://www.afaqattaiseer.com/vb/showthread.php?t=3819&page=2)
ـ[لطفي مصطفى الحسيني]ــــــــ[10 - 09 - 10, 09:36 م]ـ
بارك الله فيك
لكن ألا تظن أن الأقوال الثلاثة الأخيرة متقاربة ويمكن جمعها؟