تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأول من علمته عبر هذا التعبير أبو سليمان الخطابي (ت:388 هـ) إذ قال: (والفرق بين النبي والرسول أن الرسول هو المأمور بتبليغ ما أنبئ وأخبر به، والنبي هو المخبر ولم يؤمر بالتبليغ، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا).

واشتهر هذا التعبير وتداوله أهل العلم في كتبهم لا سيما شراح الأحاديث ومن ينقل عنهم

قال البيهقي (ت:458هـ): (و النبوة اسم مشتق من النبأ و هو الخبر إلا أن المراد به في هذا الموضع خبر خاص و هو الذي يكرم الله عز و جل به أحدا من عباده فيميزه عن غيره بإلقائه إليه و يوقفه به على شريعته بما فيها من أمر ونهي ووعظ وإرشاد ووعد ووعيد فتكون النبوة على هذا الخبر والمعرفة بالمخبرات الموصوفة فالنبي صلى الله عليه و سلم هو المخبر بها فإن انضاف إلى هذا التوقيف أمر بتبليغه الناس و دعائهم إليه كان نبيا ورسولا

و إن ألقي إليه ليعمل به في خاصته و لم يؤمر بتبليغه و الدعاء إليه كان نبيا و لم يكن رسولا فكل رسول نبي و ليس كل نبي رسولا).

وهذا القول في أصله مأثور عن مجاهد بن جبر فيما رواه ابن المنذر وابن أبي حاتم كما ذكره السيوطي في الدر المنثور، وهو موجود في التفسير المطبوع باسم تفسير مجاهد، وهو الذي يرويه عبد الرحمن بن الحسن الهمذاني وجادة عن إبراهيم بن ديزيل الحافظ أنبأنا آدم بن أبي إياس، قال أنبأنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: (رسولاً نبياً) قال: النبي هو الذي يُكَلَّم ويُنْزَلُ عليه ولا يُرْسَلُ، والرسولُ هو الذي يُرسَل).

وقال الفراء: (فالرسول النبىّ المرسل، والنبى: المحدَّث الذى لم يُرسَل).

وقال ابن جرير في آية الحج: (فتأويل الكلام: ولم يرسل يا محمد من قبلك من رسول إلى أمة من الأمم، ولا نبيّ محدث ليس بمرسل ... )

فهذا أصل هذا القول، لكن تعبير الخطابي ومن تبعه كان هو منشأ الإشكال، ومع ذلك احتمله الجمهور إذ كان الأصلان السابقان متقررين

ومن أهل العلم من رد هذا التعبير إذ فهموا من قولهم: (لم يؤمر بالتبليغ) النفي المطلق

وفرَّع بعضهم عليه لوازم باطلة ليست مرادة لأصحاب هذا القول

وهذا الأمر مما ينبغي لطالب العلم التفطن له، وله نظائر في المسائل العلمية، وهو أن أقوال أهل العلم التي يذكرونها لتوضيح بعض المسائل أو التعبير عن بعض الأقوال بعبارات جامعة مما يقع فيه الاجتهاد لإصابة المعنى المراد ثم قد يكون في تعبيرهم عموم غير مراد إذ ألفاظ العلماء ليست كألفاظ الوحي.

وطالب التحقيق في هذه المسائل ينبغي له النظر في أصول الأقوال ونشأتها وعبارة العلماء عنها ليضع الأقوال مواضعها، فإن الغالب عليهم أنهم إنما يترجمون عن معان مقررة بعبارات تبينها وتوضح المراد منها حسب اجتهادهم، ويقع في تلك الألفاظ ما لهم فيه مراد وقد يفهمه بعضهم على غير مرادهم.

فلا ينبغي لطالب العلم أن يحمله الخطأ في التعبير عن القول – إن وجد – على رده جملة.

فانظر الفرق بين كلام مجاهد والفراء والطبري وكلام الخطابي والبيهقي ومن تبعهم

بل انظر الفرق بين كلام البيهقي وما اشتهر لدى أهل العلم أن الرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، والنبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه.

فقول البيهقي: (ليعمل به في خاصته) دليل على وجود قدر من التبليغ يؤمر به النبي

فبذلك تعلم أن مراد الخطابي والبيهقي هو مراد من تقدم لكنهم أرادوا تفسير لفظ الإرسال بما يبينه لئلا يكرر اللفظ، والتبليغ هو مقتضى الإرسال كما قال تعالى: (وما على الرسول إلا البلاغ المبين) ففسروا اللفظ بمقتضاه

فقولهم: (وأمر بتبليغه) هو معنى قول من تقدم (وأرسل) لأن الأمر بالتبليغ هو مقتضى الإرسال.

فليس المراد من قولهم: (ولم يؤمر بتبليغه) نفي مطلق الإرسال، وإنما المراد نفي مقتضى ما تختص به منزلة الرسالة عن منزلة النبوة.

فإن منزلة الرسالة تقتضي تميز (الرسول) برسالة لا يشترك معه فيها (النبي)، وهذا هو القدر المنفي عن النبي في قول العلماء، ولم يريدوا نفي الإرسال عنه جملة.

القول الثاني: أن الرسول هو الذي يأتيه جبرئيل بالوحي عياناً وشفاهاً، والنبي هو الذي تكون نبوّته إلهاماً أو مناماً

وهذا قول الثعلبي في تفسيره، وتبعه الواحدي والبغوي والخازن، وحكاه الماوردي في تفسيره قولاً، ولم يعزه لأحد، وكذلك فعل أبو المظفر السمعاني.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير