تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولما كان الإنسان مفطورًا على الوقوع في المعصية، واقتراف الخطأ، أرشده الله تعالى إلى طريق الخلاص منها، وهو التوبة النصوح، فمن توخاه نجا، ومن تنكب عنه خسِر، ومن هنا جاء الترغيب الرباني إلى طريق النجاة بالعفو عما اقترفه الإنسان من الذنوب، وليس هذا فحسب، بل وبتبديل السيئات السابقة إلى حسنات أيضًا، فيا له من فضل عظيم، وعفو كريم، يقول الله تعالى فيه: ? إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ?.

ويقول النبي ?: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا، لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ) ().

القاعدة الثانية: أن قلب المرء وإن صفا، وثبت على الإيمان، واستلذ بحلاوته، فإنه معرّض للانتكاسة، ومهيأ للانقلاب، قد يقرب من ذلك وقد يبعد عنه، يقول النبي ?: (إِنَّمَا سُمِّيَ الْقَلْبُ مِنْ تَقَلُّبِهِ؛ إِنَّمَا مَثَلُ الْقَلْبِ كَمَثَلِ رِيشَةٍ مُعَلَّقَةٍ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ يُقَلِّبُهَا الرِّيحُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ) ().

وإن القلب أيها المؤمنون لشديد التقلب، ويضرب النبي ? لشدة هذا التقلب مثلاً فيقول: (لقلب ابن آدم أسرع تقلبًا من القدر إذا استجمعت غليانًا) ().

ومن الذي بيده تقليب القلوب وتصريفها، إنه الله سبحانه، يقول النبي ?:

(إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ?: اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ) ().

القاعدة الثالثة: أن مذهب أهل السنة والجماعة في شأن الإيمان، أنه يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، وهل يستوي إيمان عبد تعلق قلبه بالمساجد، وشغف بحب الله ورسوله ?، وأضاء نور القرآن عقله، وأنارت السنة بصيرته، بمن صد عن هذا كله، فرضي بمستنقعات الرذيلة له موردًا ومشربًا، وامتلكت جوارحَهُ المعاصي، وسرى في دمه داءُ التبعية لكل ناعق، فاستمتع بالشهوات المحرمة، وسلَّم قياده لشيطان الهوى؟ لا والله الذي لا إله إلا هو لا يستوون، وهل يستوي من قال الله فيه: ? إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًَا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ?، هل يستوي هؤلاء بمن قال الله تعالى فيهم:

? وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ? أقول: لا يستوون!!

القاعدة الرابعة: أن بقاء قلب المؤمن على الدرجة الرفيعة من الإيمان التي يجدها في أعظم العبادات قدرًا، وأكثرها تأثيرًا؛ كالصلاة، والحج، والصيام وتلاوة القرآن، وقيام الليل، أمر متعذر؛ لشدة انشغال القلب بأعمال الدنيا، وملذاتها، وما يعتريه فيها من أفراح وأتراح، وليس هذا من الرياء أو النفاق في شيء، وقد وجد هذا أفضل القرون من صحابة النبي ?؛ فقد روى مسلم في صحيحه: عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ ?، قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ ?، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَا تَقُولُ؟ قَالَ قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ? يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ ? عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ?، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ?: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير