[من أحسن ما كتب عن التصوف: منهج دراسة التصوف د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه]
ـ[أبو زرعة حازم]ــــــــ[25 - 05 - 09, 03:13 م]ـ
منهج دراسة التصوف
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن للإسلام أصولا وأحكاما معلومة متميزة، من التزم بها فهو كامل الإسلام، فإن أخل بشيء من أحكامه نقص من إسلامه بقدر ذلك، من غير أن ينتفي عنه وصف الإسلام، وإن أخل بأصله قاصدا عن علم ورضى، وأظهر ذلك، انتفى عنه الوصف كليا، فإن لم يُظهر فله اسم الإسلام الظاهر.
ومنه يتبين أن الإسلام في أصوله وأحكامه وخصائصه ثابت لا يتغير، والمنتسبون إليه يتغيرون ويختلفون، فمنهم الكامل، ومنهم دون ذلك، ومنهم المفرط، ومنهم من ليس له من الإسلام إلا الاسم.
وهكذا كل ملة ونحلة قد ثبتت أصولها واستقرت: لا تتغير. وأهلها يتغيرون ويتفاوتون بحسب تطبيقهم لأصولها وفروعها.
والتصوف فكرة ونحلة وملة قديمة، موجودة قبل الإسلام، أصولها وأحكامها معروفة مستقرة ثابتة، بإقرار كافة الباحثين، من متصوفة وغير متصوفة ومستشرقين، والمنتسبون إليه منهم المتحقق بالتصوف، ومنهم دون ذلك، ومنهم من ليس له إلا الاسم دون الحقيقة.
وبناء على هذا: إن أردنا التعرف على دين أو نحلة أو فكرة ما، فعلينا أن نعتمد مصادرها التي منها نبعت وظهرت واستقرت، منها نفهم حقيقة الفكرة كما هي، ولا يصح أن نلجأ إلى المنتسبين فنعتمدهم مصدرا، إذ يتفاوتون في الالتزام والتحقق، كما يندر أن تكون جميع حركاتهم مردها اتباع قواعد الفكرة:
- فالإسلام مثلا: لا تعرف حقيقته كما هي إلا من خلال القرآن والسنة، أما محاولة معرفة ذلك من خلال ما يصدر من المسلمين فهو محض الخطأ، فليسوا كلهم يطبقون الإسلام كما هو، وليس كل ما يصدر منهم فبالضرورة يكون عن تطبيق لتعاليم الإسلام، إذ الإنسان في طبعه اقتراف الحسنة والسيئة.
- وكذلك التصوف لا يمكن معرفة حقيقته كما هي إلا بالوقوف على مصادره الأصلية، وهو الذي نشأ وتأسس واستقر في الثقافات القديمة، بشهادة كافة الباحثين، أما الاعتماد على المنتسبين المقلدين من المسلمين فخطأ منهجي، فليسوا كلهم يطبقون التعاليم كما هي، وليس كل ما يصدر منهم فبالضرورة يكون عن التزام بالتصوف.
إن أكبر خطأ في دراسة التصوف: أن ينظر إلى الإمام الصوفي في الإسلام على أنه فكرة صوفية في كل ما يصدر عنه!! .. إن معنى ذلك أن يلصق بالتصوف ما ليس منه، مما قد يناقضه، كقولهم: "علمنا مقيد بالكتاب والسنة" [1]، فهذه المقولة توافق الإسلام، لأن المعرفة في الإسلام مصدرها من خارج النفس، من الوحي، لكن لا توافق التصوف، لأن المعرفة في التصوف مصدرها من داخل النفس، من الذوق والكشف والمنام، فعندما يطلق أحد الصوفية هذه المقولة، فمن الجناية نسبة هذا الأصل في التلقي إلى التصوف، لأنه يتناقض معه كليا، والواجب هنا: وضع كل تصرف يصدر من الصوفية في سياقه الخاص به الموافق لأصوله، بدون أن تحشر جميعها في سياق واحد ولو تشتت أصولها، فالقائل: "علمنا مقيد بالكتاب والسنة" إنما يتمثل الإسلام بقوله هذا، فلا تجوز إذن تزكية التصوف به، نعم قد يكون بابا لتزكيته قائله، أو دفع تهمة عنه، أو إحسان ظن به، أو الاعتذار له، لكن دون زيادة .. ولذا فإن المنهج الصحيح هو التفريق بين الفكرة والمنتسبين إليها، فالفكرة الصوفية باطنا وظاهرا مخالفة للإسلام، أما المنتسبون فمنهم كذلك، ومنهم دون ذلك، ومنهم ليس كذلك، معذور بجهل، أو قلة بصيرة وإدراك، أو شبهة، ونحو ذلك.
وعلى ذلك فلا يصح الاحتجاج بأحوال المتصوفة لتزكية التصوف، كأن يقال: هذا إمام صوفي كان مجاهدا، وهذا كان محدثا، وهذا نصر الله به الإسلام، وهذا قال كذا من الحق .. إلخ. فكيف تذمون التصوف؟!.
فكل هذه الأخبار صحيحة، وفي الطوائف الأخرى أمثلة مثلها، لكن ليس هذا هو محل النزاع، إنما النزاع في الفكرة ذاتها، فهل الإسلام يقبل أن يضم إلى أصوله القول بالحلول والاتحاد والوحدة، تحت أي ظرف كان؟.
¥