[تناقضات الأشعرية (2): في قياس الأولى]
ـ[محمد براء]ــــــــ[16 - 04 - 09, 07:26 م]ـ
تناقضات الأشعرية (2):اعتماد قياس الأولى في إثبات صفتي السمع والبصر وغيرهما، ورده في إثبات صفة الحكمة
قال الإمام أبو الحسن الأشعري إمام المذهب ورئيسه، أقام على مذهب الاعتزال أربعين سنة ثم رجع عنه، كما حكاه إمام الدنيا أبو القاسم بن عساكر رحمه الله تعالى في تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى أبي الحسن الأشعري، قال في اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع ص178: " ما خلق الله القدرة فينا عليه فهو عليه أقدر، كما ما خلق فينا العلم به فهو به أعلم، وما خلق السمع له فهو به أسمع ".
وقال المتكلم الأصولي أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني المعروف بإمام الحرمين رحمه الله تعالى في العقيدة النظامية ص23 في إثبات صفتي السمع والبصر: " إن أنكر منكر كون الله تعالى مدركاً لحقيقة الأشياء فقد أثبت للمخلوق في الإحاطة والإدراك مزية على الخالق، ولا خفاء ببطلان ذلك، وكيف يصح في العقل أن يخلق الرب للعبد الدرك الحقيقي وهو لا يدرك حقيقة ما خلق للعبد إدراكه ".
وقال الإمام المتكلم المتصوف الذي وصفه الذهبي بحجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي رحمه الله تعالى في الاقتصاد في الاعتقاد ص72 في إثبات صفتي السمع والبصر: " وأما المسلك العقلي، فهو أن نقول: معلوم أن الخالق أكمل من المخلوق، ومعلوم أن البصير أكمل ممن لا يبصر، والسميع أكمل ممن لا يسمع، فيستحيل أن يثبت وصف الكمال للمخلوق ولا نثبته للخالق ".
قال مقيده عفا الله عنه: هذا المسلك في إثبات صفتي السمع والبصر وغيرهما، هو الذي يسميه العلماء قياس الأولى، وصورته أن كل كمال ثبت للمخلوق غير مستلزم للنقص فخالقه ومعطيه إياه أحق بالاتصاف به، وكل نقص في المخلوق فالخالق أحق بالتنزه عنهوهو مسلك صحيح دل عليه قوله تعالى: " وله المثل الأعلى في السموات والأرض " وغيره.
والأشعرية تناقضوا حين استخدموا هذا القياس في إثبات هذه الصفات، ولم يستخدموه – بل ردوه – في صفة الحكمة، فلم يثبتوه في تنزه الله تعالى عن أفعال يتنزه عنها خلقه، كالكذب.
وصورة هذا القياس في إثبات الحكمة أن يقال: " إذا كان الفاعل الحكيم الذي لا يفعل فعلاً إلا لحكمة وغاية مطلوبة له من فعله؛ أكملَ ممن يفعل لا لغاية ولا لحكمة ولا لأجل عاقبة محمودة وهي مطلوبة من فعله في الشاهد؛ ففي حقه تعالى أولى وأحرى.
فإذا كان الفعل للحكمة كمالاً فينا؛ فالربُّ تعالى أولى به وأحق، وكذلك إذا كان التنزه عن الظلم والكذب كمالاً في حقنا فالرب تعالى أولى وأحق بالتنزه عنه ".
قال الغزالي في المستصفى في علم الأصول في رد هذا القياس: " نحن لا ننكر أن أهل العادة يستقبح بعضهم من بعض الظلم والكذب، وإنما الكلام في القبح والحسن بالإضافة إلى الله تعالى، ومن قضى به فمستنده قياس الغائب على الشاهد ".
قال الإمام العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي الشهير بابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة (2/ 479 - 480) بعد أن نقل كلام الغزالي آنف الذكر: " النفاة – أي نفاة التحسين والتقبيح - إنما ردُّوا على خصومهم من الجهمية المعتزلة في إنكار الصفات بقياس الغائب على الشاهد، فقالوا العالم شاهداً من له العلم، والمتكلم من قام به الكلام، والحي والمريد والقادر من قام به الحياة والإرادة والقدرة، ولا يعقل إلا هذا.
قالوا: ولأن شرط إطلاق الاسم شاهداً وجود هذه الصفات، ولا يستحق الاسم في الشاهد إلا من قامت به، فكذلك في الغائب.
قالوا: ولأن شرط العلم والقدرة والإرادة في الشاهد الحياة، فكذلك في الغائب.
قالوا: ولأن علم كون العالم عالماً شاهداً وجود العلم وقيامه به، فكذلك في الغائب.
فقالوا بقياس الغائب على الشاهد في العلة والشرط والاسم والحد فقالوا حد العالم شاهدا من قام به العلم فكذلك غائباً، وشرط صحة إطلاق الاسم عليه شاهداً قيام العلم به فكذلك غائباً، وعليه كونه عالماً شاهدا قيام العلم به، فكذلك غائباً.
فكيف تنكرون هنا قياس الغائب على الشاهد، وتحتجون به في مواضع أخرى؟
فأي تناقض أكثر من هذا؟
فإن كان قياس الغائب على الشاهد باطلاً بطل احتجاجكم علينا به في هذه المواضع، وإن كان صحيحاً بطل ردكم في هذا الموضع، فأما أن يكون صحيحاً إذا استدللتم به باطلا إذا استدل به خصومكم، فهذا أقبح التطفيف، وقبحه ثابت بالعقل والشرع ".
وقال شيخ الإسلام في بيان تلبس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (1/ 326): " المتكلمون والفلاسفة كلهم على اختلاف مقالاتهم هم في قياس الغائب على الشاهد مضطربون، كل منهم يستعمله فيما يثبته ويرد على منازعه ما استعمله في ذلك، وإن كان قد استعمل هو في موضع آخر ما هو دونه، وسبب ذلك أنهم لم يمشوا على صراط مستقيم، بل صار قبوله ورده هو بحسب القول لا بحسب ما يستحقه القياس العقلي، كما تجدهم أيضا في النصوص النبوية كل منهم يقبل منها ما وافق قوله ويرد منها ما خالف قوله، وإن كان المردود من الأخبار المقبولة باتفاق أهل العلم بالحديث، والذي قَبِلَه من الأحاديث المكذوبة باتفاق أهل العلم والحديث.
فحالهم في الأقيسة العقلية كحالهم في النصوص السمعية لهم في ذلك من التناقض والاضطراب، مالا يحصيه إلا رب الأرباب".