تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[إمام المتكلمين (الغزالي) يحدثك عن علم الكلام:]

ـ[عبدالعزيز بن ابراهيم النجدي]ــــــــ[11 - 05 - 09, 10:55 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

*إن المتأمل في مسيرة الغزالي العلمية ليرى عجبا, فإنه قد تنقل _كما قال شيخنا عبد الرحمن المحمود_ بين أطوار خمس, هاك بيانها:

أولا: عاش وغاص في علم الكلام حتى صار من المبرزين فيه ومن الأئمة فيه وصنف فيه المصنفات.

ثانيا: ثم انتقل إلى أهل الفلسفة وغاص في علومهم , حتى صنف في علم الفلسفة المصنفات, كـ "مقاصد الفلسفة".

لكنه بعد ذلك تبين له حالهم , وسوء مخبرهم, فكفرهم , وصنف كتابه المشهور" تهافت الفلاسفة".

ثالثا: عاش بين أهل الصوفية وارتشف من علومهم , حتى عُدت كتبه في الصوفية والتصوف من المراجع لديهم.

رابعا: انتقل إلى أهل الباطنية_الاسماعلية_ وخبر ما عندهم _ وكان بحاثا عن الحق_ وعلم ما عندهم , لكنه بعد ذلك كفرهم , وقال فيهم مقولته الشهيرة: ظاهرهم الرفض وباطنهم الكفر المحض.

خامسا: ثم في آخر حياته من الله عليه بالرجوع إلى العلم الصافي , والمنبع الذي لاتكدره الدلاء رجع إلى المعين الذي لا ينضب: إلى الكتاب والسنة , حتى قيل أنه توفي وصحيح البخاري على وجهه.

حتى قال مقالته الشهيرة: أكثر الناس شكا عند الموت أصحاب الكلام.

وإن في حياته _رحمه الله_ لعبرة , فيا عجبا للأولئك الذين بدئوا من حيث انتهى؟!! َ.

* ولقد وقفت على كلام له في كتابه "احياء علوم الدين " عن علم الكلام هو في غاية النفاسة, وفيه حجة لمن زعم أن فيه خيرا كثيرا.

وهذا أوان الشروع في المقصود

ـ[عبدالعزيز بن ابراهيم النجدي]ــــــــ[11 - 05 - 09, 10:58 م]ـ

قال رحمه الله"

وينبغي أن يحرس سمعه من الجدل والكلام غاية الحراسة, فإن ما يشوشه الجدل أكثر مما يمهده , وما يفسده أكثر مما يصلحه, بل تقويته بالجدل تضاهي ضرب الشجرة بالمدقة من الحديد رجاء تقويتها بأن تكثر أجزاؤها وربما يفتتها ذلك ويفسدها وهو الأغلب.

والمشاهدة تكفيك في هذا بيانا فناهيك بالعيان برهانا.

فقس عقيدة أهل الصلاح والتقى من عوام الناس بعقيدة المتكلمين والمجادلين فترى اعتقاد العامي في الثبات كالطود الشامخ لا تحركه الدواهي والصواعق, وعقيدة المتكلم الحارس اعتقاده بتقسيمات الجدل كخيط مرسل في الهواء تفيئه الرياح مرة هكذا ومرة هكذا إلا من سمع منهم دليل الاعتقاد فتلقفه تقليدا كما تلقف نفس الاعتقاد تقليدا ...

ثم الصبي إذا وقع نشوه على هذه العقيدة إن اشتغل بكسب الدنيا لم ينفتح له غيرها ولكنه يسلم في الآخرة باعتقاد أهل الحق إذ لم يكلف الشرع أجلاف العرب أكثر من التصديق الجازم بظاهر هذه العقائد فأما البحث والتفتيش وتكلف نظم الأدلة فلم يكلفوه أصلا.

فإن قلت تعلم الجدل والكلام مذموم كتعلم النجوم أو هومباح أو مندوب إليه؟!

فاعلم أن للناس في هذا غلوا وإسرافا في أطراف فمن قائل إنه بدعة أو حرام وأن العبد إن لقي الله عز وجل بكل ذنب سوى الشرك خير له من أن يلقاه بالكلام ومن قائل إنه واجب وفرض إما على الكفاية أو على الأعيان وأنه أفضل الأعمال وأعلى القربات فإنه تحقيق لعلم التوحيد ونضال عن دين الله تعالى.

* وإلى التحريم ذهب الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل وسفيان* وجميع أهل الحديث من السلف.

قال ابن عبد الأعلى رحمه الله سمعت الشافعي رضي الله عنه يوم ناظر حفصا الفرد وكان من متكلمي المعتزلة يقول لأن يلقى الله عز وجل العبد بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير من أن يلقاه بشيء من علم الكلام, ولقد سمعت من حفص كلاما لا أقدر أن أحكيه وقال أيضا قد اطلعت من أهل الكلام على شيء ما ظننته قط ولأن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه ما عدا الشرك خير له من أن ينظر في الكلام.

[وساق أقوال باقي الأئمة]

ثم قال: وقد اتفق أهل الحديث من السلف على هذا

ولا ينحصر ما نقل عنهم من التشديدات فيه.

وقالوا: ما سكت عنه الصحابة مع أنهم أعرف بالحقائق وأفصح بترتيب الألفاظ من غيرهم إلا لعلمهم بما يتولد منه من الشر.

ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: " هلك المتنطعون هلك المتنطعون هلك المتنطعون " أي المتعمقون في البحث والاستقصاء.

واحتجوا أيضا بأن ذلك لو كان من الدين لكان ذلك أهم ما يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعلم طريقه ويثني عليه وعلى أربابه فقد علمهم الاستنجاء و حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم الاستنجاء أخرجه مسلم من حديث سلمان الفارسي _وذكر بقية استدلالهم_

ـ[عبدالعزيز بن ابراهيم النجدي]ــــــــ[11 - 05 - 09, 10:59 م]ـ

ثم قال:

* أما مضرته, فإثارة الشبهات, وتحريك العقائد, وإزالتها عن الجزم والتصميم, فذلك مما يحصل في الابتداء , ورجوعها بالدليل مشكوك فيه, ويختلف فيه الأشخاص.

فهذا ضرره في الاعتقاد الحق , وله ضرر آخر في تأكيد اعتقاد المبتدعة, وتثبيتها في صدورهم, بحيث تنبعث دواعيهم, ويشتد حرصهم على الإصرار عليه, ولكن هذا الضرر بواسطة التعب الذي يثور من الجدل, ولذلك ترى المبتدع العامي يمكن أن يزول اعتقاده باللطف في أسرع زمان, إلا إذا كان نشؤه في بلد يظهر فيها الجدل والتعصب, فإنه لو اجتمع عليه الأولون والآخرون لم يقدروا على نزع البدعة من صدره, بل الهوى والتعصب وبغض خصوم المجادلين وفرقة المخالفين يستولي على قلبه, ويمنعه من إدراك الحق.

* وأما منفعته, فقد يظن أن فائدته كشف الحقائق ومعرفتها على ما هي عليه, وهيهات فليس في الكلام وفاء بهذا المطلب الشريف, ولعل التخبيط والتضليل فيه أكثر من الكشف والتعريف.

وهذا إذا سمعته من محدث أو حشوى ربما خطر ببالك أن الناس أعداء ما جهلوا, فاسمع هذا ممن خبر الكلام, ثم قلاه بعد حقيقة الخبرة وبعد التغلغل فيه إلى منتهى درجة المتكلمين, وجاوز ذلك إلى التعمق في علوم أخر تناسب علم الكلام, وتحقق أن الطريق إلى حقائق المعرفة من هذا الوجه مسدود.

ولعمري لا ينفك الكلام عن كشف وتعريف, وإيضاح لبعض الأمور, ولكن على الندور في أمور جلية تكاد تفهم قبل التعمق في صنعة الكلام.)).ا. هـ[الإحياء1/ 95]

وكلامه الأخير نفيس جدا, ينبغي العناية به.

ولذا قال ابن أبي العز: وكلام مثله في ذلك حجة بالغة.

والله أعلم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير