[ما الفرق بين عقيدة الأشاعرة في الجبر المتوسط وعقيدة أهل السنة والجماعة في القدر؟]
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[09 - 05 - 09, 07:30 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
[ما الفرق بين عقيدة الأشاعرة في الجبر المتوسط وعقيدة أهل السنة والجماعة في القدر؟]
أدعو الأخوة وطلاب العلم لقراءة هذا النص للشيخ مصطفى صبري المعروف بعقيدته الأشعرية، وبيان الفرق بين كلامه وعقيدة أهل السنة والجماعة في القدر؛ حيث أنه يظهر لي أنه لا فرق، والله أعلم.
يقول الشيخ مصطفى صبري:
((نعم، الجبر الذي نقول به غير الجبر الذي تقول به الفرقة الضالة الجبرية النافون لاختيار الإنسان وإرادته، وهو - أي الجبر الذي نختاره - ما يسمى الجبر المتوسط، سواء قال به الأشعري أو رجع عنه إلى ما يتحد مع مذهب الماتريدية، لأنا لا نقول القول تقليدًا لأحد وليس معنى الجبر المتوسط أنه جبر متوسط القوة لا شديدها كالجبر الذي في مذهب الجبرية الضالين. إذ لا فرق بين الجبرين في المذهبين من حيث القوة والتأثير، حتى إن الجبر الذي نقول به يفوق الإكراه في القوة كالجبر في مذهب الطائفة الضالة سواء بسواء ومع هذا فلا إكراه في كلا الجبرين لعدم تعارضهما بإرادة المجبور، أما عدم التعارض في مذهبهم فلعدم الإرادة والاختيار للإنسان في مذهبهم، وأما عدم التعارض في مذهبنا؛ فلأن الجبر الذي نقول به يأتلف مع إرادة الإنسان واختياره، حتى لو قلنا: إنه لا جبر في مذهبنا لصح ذلك، إذ الإنسان يفعل ما يفعله عندنا بإرادته واختياره، إلا أنه لا يريد ولا يختار إلا ما يريد الله ويختاره له، فكأنه مجبور من غير جبر، وفيه كمال قدرة الله الذي لا يجري في ملكه إلا ما يشاء. فمراد العبد ومختاره فيما يفعله أو يتركه بطيب نفس منه لا بد أن يتفق مع مراد الله ومختاره، وإلا لا يحصل ذلك الفعل أو الترك، بل لا يكون مراد العبد ومختاره أيضًا. وكأنه مجبور على اختيار ما يطيب له من حيث إنه موافق لما أراد الله واختاره له.
ونحن الذين لا ننفي إرادة العبد واختياره وإنما نقول بتوجههما لزامًا - لا بجبر من الله بل برغبة خالصة من صاحب الإرادة والاختيار إلى وجهة إرادة الله واختياره، لا يمسنا تعريض الخصوم بكون الإنسان في مذهب الجبر كالجدار)).
مصطفى صبري، موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين ج3 ص404 - 405
فما رأيكم دام فضلكم؟
ـ[محمد براء]ــــــــ[09 - 05 - 09, 06:33 م]ـ
أخي الفاضل:
الشيخ يصرح بأنه لا فرق بين مذهب الأشعرية ومذهب الجبرية - الذين كفرهم بعض علماء الأشعرية كالدردير في شرح الخريدة البهية -، من جهة تأثيره.
وأنا أسألك: ما هو الفرق الذي بقي بينهما بعد ذلك؟ هل هو إثبات كسب للعبد؟ هذا الكسب الذي يثبتونه لا تأثير له أيضاً في حدوث الفعل، لأنهم يقولون إن الفعل يقع عند مقارنة القدرة القديمة للقدرة الحادثة - أي قدرة العبد - لا بها، وهذا يدل أنه لا تأثير لقدرة العبد عندهم، وقد صرح صبري بعد صفحة من كلامه هذا في التعليق على رفيقه الكوثري بأن الجبر المتوسط الذي يقول به يرجع في النهاية إلى الجبر المحض ص420 من الطبعة الثانية.
أما عن الفرق بين مذهب الأشعرية ومذهب أهل السنة، فهو فرق ظاهر، فإن أهل السنة يثبتون تأثيراً لقدرة العبد في حدوث الفعل، كتأثير أي سبب في مسببه، قال شيخ الإسلام (8/ 390): " وَإِنْ أُرِيدَ بِالتَّأْثِيرِ أَنَّ خُرُوجَ الْفِعْلِ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ كَانَ بِتَوَسُّطِ الْقُدْرَةِ الْمُحْدَثَةِ؛ بِمَعْنَى أَنَّ الْقُدْرَةَ الْمَخْلُوقَةَ هِيَ سَبَبٌ وَوَاسِطَةٌ فِي خَلْقِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْفِعْلَ بِهَذِهِ الْقُدْرَةِ، كَمَا خَلَقَ النَّبَاتَ بِالْمَاءِ وَكَمَا خَلَقَ الْغَيْثَ بِالسَّحَابِ، وَكَمَا خَلَقَ جَمِيعَ الْمُسَبَّبَاتِ وَالْمَخْلُوقَاتِ بِوَسَائِطَ وَأَسْبَابٍ فَهَذَا حَقٌّ، وَهَذَا شَأْنُ جَمِيعِ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ.
وَلَيْسَ إضَافَةُ التَّأْثِيرِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ إلَى قُدْرَةِ الْعَبْدِ شِرْكًا وَإِلَّا فَيَكُونُ إثْبَاتُ جَمِيعِ الْأَسْبَابِ شِرْكًا ".
ولما رأى بعض علماء الأشعرية أن نفي هذا التأثير يقتضي قطع الأوامر الشرعية، صرحوا بمخالفته فقال أبوالمعالي الجويني في العقيدة النظامية ص34 في كلام طويل استحسنه ابن القيم وذكره الدكتور عبد الرحمن المحمود ضمن أقوال أهل السنة في القدر: " في المصير إلى أنه لا أثر لقدرة العبد في فعله قطع طلبات الشرائع والتكذيب بما جاء به المرسلون ".
ومعلوم أن كلام أبي المعالي غير معتمد عند الأشعرية، وقد صرح صبري بذلك مراراً.
وأنت ترى أنه أشار في حاشية الكتاب المذكور عند الكلام الذي نقلته إلى أن الأشعري صرح في الإبانة بمخالفة كلام الأشعرية المتأخرين المعتمد عندهم، وحاول إنكار نسبة الكتاب إليه،لذلك قال الشيخ محمد نجيب المطيعي في حاشيته على شرح الدردير ص66: " قد صرح الأشعري في الإبانة التي هي آخر مصنفاته، والمعتمد من كتب الأشعري بتأثير قدرة العبد المستجمعة للشروط في فعله الاختياري بإذنه تعالى، وصرح بذلك ابن عساكر وغيره، فمكسوب العبد نفس فعله الاختياري وكسبه إياه بتأثير قدرته بإذنه تعالى لا مستقلاً – كما يقوله المعتزلي -، وهذا هو الذي صرح به الأشعري في الإبانة التي هي آخر تصانيفه التي استقر عليها الاعتماد، وغيره لا يعول عليه لكونه مرجوحاً ومرجوعاً عنه ".
¥