[تدرج التعطيل من الفلاسفة إلى المتكلمين]
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[10 - 04 - 09, 04:26 م]ـ
[تدرج التعطيل من الفلاسفة إلى المتكلمين]
إن الحمد لله , نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ,وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل الله فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد:
مما لا شك فيه تأثر المتكلمين بالفلاسفة؛ وتأثر الفلاسفة المسلمين بفلاسفة اليونان وهذه بعض النقولات عن فلاسفة المسلمين نقارن بينها وبين بعض آراء المتكلمين ونثبت كيف انبثقت كثير من آراء المتكلمين من الفلاسفة.
أقوال الفلاسفة المسلمين في الرب سبحانه وتعالى
قال أبو يوسف يعقوب بن اسحق الكندي: إن الله تبارك وتعالى أزلي واحد بإطلاق لا يسمح بأية كثرة، ولا تركيب، ولا ينعت ولا يتصف بأية مقولة، ولا يتحرك، وهو وحدة محضة، وعنه تصدر كل وحدة وكل ماهية، وهو الخالق والمبدأ لكل حركة.
وقال أبو نصر محمَّد بن محمَّد طرخان الفارابي: إن الله تبارك وتعالى هو واجب الوجود، وهو قائم بذاته منذ الأزل لا يعتريه تغير من حال إلى حال، وهو عقل محض، وخير محض، ومعقول محض، وعاقل محض، وهو العلة الأولى لسائر الموجودات، وتعينه هو تعين ذاته، وهو إذا وصف بصفات فإنها لا تدل على المعاني التي جرت العادة أنها تدل عليها، وهي صفات مجازية لا يدرك كنهها إلا بالتمثيل.
وقال ابن سينا: إن الله تبارك وتعالى واجب الوجود، ووجوده عين ماهيته، وهو واحد لا كثرة في ذاته بوجه، ولا تصدر عنه الكثرة، وهو عقل محض لا جنس له، ولا ماهية له، ولا كيفية ولا كمية، ولا أين له، ولا متى، ولا ندَّ له، ولا شريك، ولا ضد له، ولا حد له، ولا برهان عليه، وهو يستحيل عليه التغير، وهو مبدأ كل شيء، وليس هو شيئاً من الأشياء بعده، وهو لا يتحرك وإنما يحرك غيره على طريقة تحريك المعشوق لعاشقه.
وهو يرى أن الله لا يوصف إلا بالسلب أو الإضافة أو مركب منهما.
عن كتاب أقوال الفلاسفة في توحيد الربوبية للدكتور سعود الخلف
أهم مسائل هذه الأقوال
1 - قول الكندي: أزلي واحد بإطلاق لا يسمح بأية كثرة.
فقوله" بإطلاق" يحتمل أن الله فقط موجود في الأذهان لا حقيقة له في خارج الذهن وقوله:"لا يسمح بأي كثرة" تأكيد ما يعتقده بعض الفلاسفة أن الله لا وجود لها في الخارج فلا يتصف بصفة ولا نعت؛ ومن مثل هذا القول دخل على المعتزلة القول بأن إثبات الصفات يستلزم الكثرة أو تعدد القدماء فلنفي الكثرة نفوا صفات ونعوت الرب سبحانه.
2 - ومما يأكد ذلك قوله بعد ذلك " ولا ينعت ولا يتصف بأية مقولة" فالله غير متصف بصفة من الصفات أو النعوت فهو وجود مطلق؛ غير متحقق إلا في الأذهان ولذلك قال بعد ذلك " وهو وحدة محضة".
3 - وقوله: "ولا تركيب" من مثل هذا القول دخلت شبهة نفي الصفات الخبرية لله تعالى؛ لأن في نظرهم إثباتها يستلزم الجسمية والتركيب وهذه من صفات الأجسام فما يفهم منه التركيب ينفى عن الله سبحانه فنفى الأشاعرة لأجل شبهة التركيب الصفات الخبرية ونفى المعتزلة صفات ونعوت الرب ونفى لأجلها الجهمية الأسماء والصفات.
4 - وقوله: " ولا يتحرك" نفي للصفات الفعلية لله سبحانه وتعالى؛ وبذلك قالت الجهمية والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم من الفرق الكلامية لاستلزام إثبات الحركة والفعل الحدوث وذلك من صفات الممكنات.
5 - وقول الفارابي " لا يعتريه تغير من حال إلى حال" كذلك نفي لقيام الصفات الاختيارية بالله سبحانه وتعالى لأنه يلزم من قيامها به التغير والتحول من حال إلى حال.
6 - وقوله " وهو عقل محض، وخير محض، ومعقول محض، وعاقل محض" وهم يريدون بذلك نفي الكثرة عن الله ونفي الإثنينية عنه سبحانه وأنه ذات مجردة؛ وهذا يستلزم نفي الصفات عنه سبحانه وقولهم هو عاقل ومعقول يشبه قول الأشاعرة الفعل هو المفعول؛ ومؤداه نفي الصفات الفعلية عن الله.
7 - وقوله: وهو إذا وصف بصفات فإنها لا تدل على المعاني التي جرت العادة أنها تدل عليها" وهو يشبه قول بعض المتكلمين في القول بالتفويض؛ وعدم معرفة المعاني التي خاطبنا الله بها وهذا هو مذهب التجهيل؛ وكذلك يشبه قول المعتزلة في إثبات الأسماء دون الصفات سميع بلا سمع بصير بلا بصر.
8 - وقد أكد هذا بقوله: "وهي صفات مجازية " أي لا حقيقة لها ولا صدق لها وهذا هو الذي آلى إليه مذهب أهل التعطيل.
9 - وقول ابن سينا " ووجوده عين ماهيته" يحتمل الوجود الذهني فقط فلا مصداق ولا حقيقة لهذا الوجود لأن الماهية تعلقها بالذهن والوجود تعلقه بالخارج؛ والذهن يفرض المستحيل والعدم؛ وهذا قريب من قول بعض المتكلمين في تشبيهه بالمعدوم لا فوق ولا يرى في جهة .. إلخ.
10 - وقوله: وهو واحد لا كثرة في ذاته بوجه، ولا تصدر عنه الكثرة" وهو هو قول فلاسفة اليونان الواحد لا يصدر عنه إلا واحد؛ وترتب على ذلك نفي صفات الله سبحانه وتعالى لأن إثباتها يستلزم الكثرة كما تقدم.
11 - وقوله: "ولا ماهية له، ولا كيفية" وهذا هو مآل أهل التعطيل من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم من الفرق الكلامية.
12 - وقوله: ولا أين له " نفي لصفة العلو لله تعالى.
وكذلك وقوله: ولا حد له، ولا برهان عليه، وهو يستحيل عليه التغير.
نفي لعلوه سبحانه وإثبات الكيفية له سبحانه والذي مآلها نفي لحقيقته ووجوده؛ ونفي الاستحالة المراد بها نفي الصفات الاختيارية والفعلية له سبحانه وأكد ذلك بقوله "لا يتحرك".
يتلخص من ذلك
1 - بيان فضل طريقة السلف الصالح أهل السنة والجماعة الذين يسلكون في طريقة بحثهم الكتاب والسنة؛ وبيان ضلال طريقة الفلاسفة التي مردها إلى زنادقة اليونان التي لا يخلوا كلامهم من تعقيد وتشويش.
2 - بيان مدى تأثر المتكلمين بأسلافهم من الفلاسفة المنتسبين إلى الإسلام ومدى تأثر أولئك بضلال اليونان.
والحمد لله رب العالمين.