تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[تاريخ التواجد الشيعي في المغرب1]

ـ[حامد الإدريسي]ــــــــ[04 - 05 - 09, 09:12 م]ـ

المبحث الأول: الدولة الفاطمية ودخول المذهب الشيعي:

المطلب الأول: بين الأدارسة والفاطميين:

إن أهمية هذه المسألة، وهي مسألة تاريخ التشيع في المغرب، تتجلى في أن متشيعة المغرب اليوم، يركزون على بعض المعطيات التاريخية، ويستدلون بها على أن المغرب بلد شيعي في الأصل، وأن الإسلام عندما تغلغل في المغرب، كان على مذهب الشيعة، محاولين بذلك أن يوطئوا لدخول هذه العقيدة، ويخففوا من النفور الذي تعانيه في الساحة الدينية.

لذلك قررت أن أتعرض لهذا المبحث، لنرى هل كان المغاربة شيعة بالفعل؟ ومتى دخل التشيع المغرب؟ وهل يمكن أن نصف المغرب بأنه كان دولة شيعية؟

ولا أريد أن أستبق البحث وأعطيك النتيجة، لكنك تصبر معي قليلا لتحكم بنفسك، وترى بعينك، ليطمئن الفؤاد، وتزول الشبهة.

لقد دخل المولى إدريس المغرب، في أواخر القرن الثاني، وقام بتأسيس دولته الكبيرة، مستفيدا من الولاء الذي يكنه المغاربة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، حيث تنازل له أمير أوربة عن الملك بعد أشهر من وصوله سنة 172هجرية، واستطاع خلال سنتين أن يوحد المغرب، ويجمع شمله. ([1])

فهل كان المولى إدريس ينشر المذهب الشيعي؟

إن كون المولى إدريس علويا في النسب، خارجا على سلطة العباسيين، ليس دليلا كافيا لينسب إليه أنه شيعي رافضي، فالتشيع لم يكن بالنسبة إليه وإلى الكثير من الشيعة الأُول، إلا قضية سياسية، وانتماء لعسكر المطالبين بحق آل البيت في الخلافة، ومناهضة للتسلط الذي بدأ ينشأ في رحاب الملك العباسي، فحب آل البيت ونصرتهم ومؤازرتهم وادعاء أحقيتهم بالخلافة هي عناصر التشيع في تلك المرحلة، وقصاراه تفضيل علي على عثمان رضي الله عنهما، وليس أكثر من ذلك.

يقول الدكتور محمد الحاجري: (في ذلك الوقت الذي دخل فيه التشيع إلى المغرب العربي، -أي في عهد الفاطميين- كان هذا المذهب قد تحول تحولا ظاهرا كبير الخطر، فلم يعد كما كان الشأن فيه في مبدأ أمره مجرد دعوة لأبناء علي وفاطمة، أو ثورة على الأمويين إذ غصبوهم حقهم، واستلبوا ما كان ينبغي فيما يرون أن يكون لهم، ثم تعقبوهم وجعلوا ينكلون بهم، فإن اتجاه التشيع إلى المشرق، واتخاذه من بلاد الفرس موطنا له…كل ذلك انحرف به عن نصابه الأول، وتحول به عن صورته الأولى، إذ أسبغ عليه ألوانا جديدة مشتقة من العقلية الفارسية بمواريثها المختلفة، وخلط ما بينه وبين هذه العقلية وصور إدراكها للإسلام) ([2])

وبعد أن أوضح بعض المعالم الجديدة في التشيع الفارسي قال: (وذلك هو التشيع الذي دخل المغرب العربي في أواخر القرن الثالث، ومن قبل دخل التشيع هذه البلاد مع إدريس بن عبد الله في أواخر القرن الثاني، ولكن ما أبعد ما بين التشيع الجديد والتشيع القديم: التشيع الفارسي والتشيع العربي… فدولة الأدارسة لم تكد تفرض مذهبا معينا، أو أن ما فرضته من ذلك إنما كان في حدود ضيقة …قبل أن يصطبغ التشيع بتلك الصبغة الباطنية، ويرتبط بالقومية الفارسية) ([3])

والحق أن المولى إدريس لم يكن شيعيا إلا بالانتماء السياسي، وبكونه من المطالبين بأحقية أهل البيت في خلافة المسلمين، ولهذا لم ينشر في المغرب إلا الدعوة السنية النقية، حتى أسماه بعض المغاربة بالفاتح الثاني للمغرب.

يقول الدكتور سعدون عباس نصر الله: (ومما يثير الاستغراب أن الأدارسة كانوا علويين شيعة، والقضاء في دولتهم على المذهب المالكي) ([4]) ولم يبين سبب هذا التناقض الذي أشكل عليه، ولو كان المولى إدريس شيعيا مذهبا لألزم الناس بمذهبه، فقد كانوا وهم أهل بادية، على أتم الاستعداد لقبول كل ما يأتي به المولى إدريس، وما الذي يحمله على تولية قضاة مالكيين، والمغرب الأقصى ما زال في ذلك الوقت أرضا بورا يقبل أي مذهب وصل إليه، لذلك حينما وصل أبو عبد الله الشيعي، غرس المذهب الشيعي ودعا الناس إليه، فقبلوه واعتنقوه، وهذا التناقض الذي أشكل عليه إنما يزول إذا عرفنا الفرق بين التشيع السياسي الذي كان في ذلك الوقت، والذي بينّا عناصره، وبين التشيع العقدي الديني الذي جلبه الدعاة الفاطميون.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير