[الحيز والمكان والجهة والخلاء]
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[11 - 07 - 09, 12:13 ص]ـ
[الحيز والمكان والجهة والخلاء]
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل الله فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فإن البدعة لو كانت باطلا محضا لظهرت وبانت وما قبلت , ولو كانت حقا محضا لا شوب فيه لكانت موافقة للسنة؛ فإن السنة لا تناقض حقا محضا لا باطل فيه , ولكن البدعة تشتمل علي حق وباطل.
درء التعارض (1
120)
ولو تأمل طالب العلم في كثير من ضلالات أهل البدع وأخطائهم , لوجدها على هذا النحو , ظاهرها التنزيه وحقيقتها التعطيل والتحريف , وقد يكون من أسباب الخلط الاعتقاد قبل الاستدلال , فأخذ كثير من القواعد والأقوال على وجه التسليم ثم البناء على هذا الاعتقاد الخاطئ أو التسليم الفاسد ,وهذا بين في كثير من المسائل التي خلط فيها أهل البدع.
ومن مسائل ذلك نفي صفة العلو لله تعالى التي دل على إثباتها مئات النصوص والتي هي من الضروريات ومعارضتها بالأقيسة النظرية والعقلية والشبه الفلسفية.
الأشاعرة ومعتقدهم فوق العالم أو خارج العالم
يعتقد الأشاعرة أن فوق العالم أو خارجه خلاء , ويعنون بالخلاء الفراغ الموهوم الذي يمكن أن يحل فيه الشيء.
ففي شرح المواقف: (وأما) الخلاء (خارج العالم فمتفق عليه) إذ لا تقدر هناك بحسب نفس الأمر (فالنزاع) فيما وراء العالم إنما هو (في التسمية بالبعد فإنه عند الحكماء عدم محض) ونفي صرف (يثبته الوهم) ويقدره من عند نفسه، ولا عبرة بتقديره الذي لا يطابق نفس الأمر، فحقه أن لا يسمى بعداً ولا خلاء أيضا. (وعند المتكلمين) هو (بعد) موهوم كالمرفوض فيما بين الأجسام على رأيهم.
شرح المواقف (1
566) للجرجاني
وهذا الخلاء عند الأشاعرة منهم من يجعله أمرا عدميا وهم الأكثر , ومنهم من يجعله أمرا وجوديا كالرازي.
وقد رد عليهم ابن رشد فقال: وليس لهم أن يقولوا: إن خارج العالم خلاء , وذلك أن الخلاء قد تبين في العلوم النظرية امتناعه لأن ما يدل عليه اسم الخلاء ليس هو شيئا أكثر من أبعاد ليس فيها جسم أعني طولا وعرضا وعمقا لأنه إن وقعت الأبعاد عنه عاد عدما , وإن أنزل الخلاء موجودا لزم أن تكون أعراض موجودة في غير جسم وذلك لأن الأبعاد هي أعراض من باب الكمية.
الكشف عن مناهج الأدلة (148)
وقال ابن رشد: والمقدمة .. القائلة إن العالم في خلاء يحيط به كاذبة أو غير بينة بنفسها ,ويلزم عن وضعه هذا الخلاء أمر شنيع عندهم وهو أن يكون قديما، لأنه إن كان محدثا احتاج إلى خلاء.انتهى
بيان تلبيس الجهمية (1
222)
فترتب على هذا الاعتقاد أن خارج العالم أو فوقه خلاء وفراغ موهوم , ومنهم من يجعله وجودي دخلت شبهة الحيز والجهة والمكان.
الحيز , المكان , الجهة
فقالوا: لو كان فوق العرش ولو كان مختصا بجهة العلو للزم من ذلك أنه متحيز أو في مكان أو في جهة.
قال ابن رشد: والشبهة التي قادت نفاة الجهة إلى نفيها هو أنهم اعتقدوا أن إثبات الجهة يوجب إثبات المكان, وإثبات المكان يوجب إثبات الجسمية.
الكشف عن مناهج الأدلة (145)
وقد رد العلماء عن من هذه الشبه بدقة متناهية , وأصول منضبطة , توافق السمع والنظر والعقل واللغة والفطرة.
ومن تلك الأصول طلب الاستفسار عن المعاني التي لم ترد في الكتاب والسنة , فالتفصيل في مثل هذه الألفاظ يزيل الإشكال.
فهؤلاء أخذوا هذه الألفاظ بالاشتراك وتوهموا وأوهموا إذا كان له صفة العلو كان في جهة أو حيز أو مكان كما يكون الإنسان في بيته ثم رتبوا على ذلك أنه يكون محتاجا إلى غيره , والله تعالى غني عن كل ما سواه , وهذا موضع الاشتباه , ولذلك أجاب أهل السنة عن ذلك بالاستفصال عن المراد بهذه الألفاظ.
فهذه الألفاظ تحتمل أمورا وجودية وأمورا عدمية , فإن كانت وجودية فأهل السنة ينزهون الله تعالى عن الحلول في شيء من مخلوقاته , وإن كانت عدمية , فالعدم لا شيء , ولا إشكال في وصف الله تعالى بالعلو , وإليك التفصيل:
الحيز
¥