تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تناقضات الأشعرية (4): الدعوة إلى اتباع السلف مطلقاً ومخالفتهم في مذهبهم المزعوم في التفويض

ـ[محمد براء]ــــــــ[18 - 04 - 09, 05:34 م]ـ

تناقضات الأشعرية (4): الدعوة إلى اتباع السلف مطلقاً ومخالفتهم في مذهبهم المزعوم في التفويض

الأشعرية كثيراً ما يعتمدون على إجماع السلف في احتجاجهم على خصومهم المعتزلة في المسائل التي خالفوا فيها السنة، فمن ذلك قول الإمام المتكلم الفيلسوف أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي رحمه الله تعالى في الاقتصاد في الاعتقاد في الرد على المعتزلة في زعمهم أن العبد يخلق فعله: " لزمت المعتزلة شناعتان عظيمتان: إحداهما: إنكار ما أطبق عليه السلف رضي الله عنهم من أنه لا خالق إلا الله ولا مخترع سواه ".

وقال في الرد عليهم في أن المعاصي غير مرادة:" كل حادث مراد والشر والكفر والمعصية حوادث، فهي إذاً لا محالة مرادة، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فهذا مذهب السلف الصالحين ومعتقد أهل السنة أجمعين وقد قامت عليه البراهين ".

قال مقيده عفا الله عنه: انظر كيف رجع في هذه الأصول إلى اعتقاد السلف، وهذا هو الواجب على كل منتسب إلى السنة، إذ لا معنى لهذا الانتساب إن كان المنتسب مخالفاً لهم في أصولهم.

وقال الشيخ برهان الدين إبراهيم بن إبراهيم اللقاني المالكي رحمه الله تعالى في منظومته الشهيرة المعول عليها عند سائر الأشعرية المسماة جوهرة التوحيد:

فكلِّ خيرٍ في اتباعِ من سلفْ = وكلُّ شَرٍّ في ابتداعِ مَنْ خَلَفْ

فتابعِ الصالَح ممنْ سَلَفا = وجانِبِ البدعةَ ممن خَلَفا

وليت الأشعرية طردوا أصلهم هذا واعتمدوا قول السلف في أصول الدين كلها، لكنهم تناقضوا وخالفوا هذا الأصل حين زعموا أن التفويض مذهب السلف ثم تراهم يرجحون مذهب الخلف في التأويل عليه.

واعلم أن التأويل هو مذهب أئمة الأشعرية، والتفويض عندهم مذهب مرذول، بل جعل الشيخ عبد الرحيم بن علي الشهير بشيخ زاده رحمه الله تعالى في كتابه نظم الفرائد وجمع الفوائد في بيان المسائل التي وقع الخلاف فيها بين الماتريدية والأشعرية في العقائد قول الأشعرية بالتأويل وقول الماتريدية بالتفويض من المسائل الخلافية بين الفريقين.

وقال الشيخ إبراهيم الباجوري أستاذ الأشعرية المتأخرين والمعاصرين في شرحه لمنظومة اللقاني ص156 عند قوله: "

وكُلُّ نصٍ أُوهَمَ التَّشْبِيها ... أَوِّلْهُ أَو فَوِّضْ، ورُمْ تَنْزِيها

قال: " أوله: أي: احمله على خلاف ظاهره من بيان المعنى المراد، فالمراد: أوله تأويلاً تفصيلياً بأن يكون فيه بيان المعنى المراد كما هو مذهب الخلف: وهم من كانوا بعد الخمسمائة، وقيل: من بعد القرون الثلاثة.

وقوله: (أو فوض) أي: بعد التأويل الإجمالي الذي هو صرف اللفظ عن ظاهره، فبعد هذا التأويل فوض المراد من النص الموهم إليه تعالى على طريق السلف: وهم من كانوا قبل الخمسمائة، وقيل القرون الثلاثة: الصحابة والتابعون وأتباع التابعين.

وطريقة الخلف أعلم وأحكم، لما فيها من مزيد الإيضاح والرد على الخصوم، وهي الأرجح، ولذلك قدمها المصنف، وطريقة السلف أسلم لما فيها من السلامة من تعيين معنى قد يكون غير مراد له تعالى ".

قال مقيده عفا الله عنه: ليس هذا موضع الرد عليهم في نسبة التفويض إلى السلف وإنما المراد بيان تناقضهم، فإن في تفضيل مذهب الخلف عليهم مناقضة لدعوتهم إلى اتباع السلف، فكيف يدعُون إلى اتباعهم ثم يخالفونهم ويرجحون مذهب الخلف على مذهبهم؟

وقال الأصولي المتكلم أبو المعالي الجويني الشهير بإمام الحرمين أحد أئمة الأشعرية وأساطينهم رحمه الله تعالى في العقيدة النظامية ص23 - 24: قد اختلف مسالك العلماء في هذه الظواهر، وامتنع على أهل الحق فحواها وإجراءوها على موجب ما تبرزه أفهام أرباب اللسان منها، فرأى بعضهم تأويلها والتزام هذا المنهج في آي الكتاب وفيما صح من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، وذهبت أئمة السلف إلى الإنكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب عزوجل.

والذي نرتضيه رأياً، وندين الله به عقداً، اتباع سلف الأمة، فالأولى الاتباع، وترك الابتداع، والدليل السمعي القاطع في ذلك، أن إجماع الأمة حجة متبعة، وهو استناد معظم الشريعة، وقد درج صحب النبي صلى الله عليه وسلم على ترك التعرض لمعانيها، ودرك ما فيها، وهم صفوة الإسلام، والمستقلون بأعباء الشريعة، وكانوا لا يألون جهداً في ضبط قواعد الملة والتواصي يحفظها، وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها، فلو كان تأويل هذه الآي والظواهر مسوغا أو محتوما لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة، وإذا انصرم عصرهم وعصر التابعين رضي الله عنهم على الإضراب عن التأويل كان ذلك قاطعاً بأنه الوجه المتبع بحق ".

قال مقيده عفا الله عنه: ليتأمل العاقل اللبيب كيف جعل هذا الإمام القول بالتأويل قولاً مبتدعاً مخالفاً لإجماع السلف، فكيف يكون التأويل مذهباً سائغاً عند الأشعرية بل مذهباً راجحاً، وهذا إمام من كبار أئمتهم يحكي أنه مخالف لطريق السلف؟ هذا تناقض بين الدعوى والفعل.

ثم هو مناقض أيضاً لكون الإجماع حجة من حجج الشرع عندهم، فهذا نقل لإجماع السلف لم ينقله حشوي أحمق، ولا مجسم متهوك، بل نقله إمام من أئمة الأشعرية ومقدم من مقدميهم، فكيف يخالفونه؟.

فمقتضى الأخذ بهذا الكلام، أن يُبدَّع كل من قال بالتأويل، وأن يعتمد التفويض مذهباً لا يجوز سواه، وإلا كان الأشعرية متناقضين أقبح التناقض.

- تنبيه: كلام الجويني هذا ليس فيه رجوع إلى مذهب السلف لأن التفويض الذي نسبه للسلف ليس هو مذهبهم، والغرض من نقله هنا بيان أن التأويل مذهب بدعي مخالف للإجماع من كلام إمام من أئمة الأشعرية.

ما يلزمهم من هذا التناقض:

يلزم الأشعرية من تناقضهم بين دعوة اتباع السلف وبين مخالفتهم في أخذهم بالتأويل أحد أمرين:

الأول: أن يقروا بأنهم مبتدعة، خالفوا السلف في تركهم التأويل.

الثاني: أن يأخذ جميعهم بالتفويض، وأن يجعل التأويل مذهباً يبدع القائل به، لا مذهباً سائغاً بله أن يجعل مذهباً راجحاً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير