تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[تناقضات الأشعرية (1): قول الرازي بأن الله لا يقبح منه شيء، وإثباته قبح أن يخاطب الله الناس بما لا]

ـ[محمد براء]ــــــــ[16 - 04 - 09, 06:08 م]ـ

تناقضات الأشعرية (1): قول الرازي بأن الله لا يقبح منه شيء، وإثباته قبح أن يخاطب الله الناس بما لا يفهمون معناه

قال الفيلسوف المتكلم الأصولي أبو عبد الله محمد بن عمر الرزاي المعروف بابن خطيب الري، المتوفى سنة 606هـ، أحد أساطين الأشعرية وعمدة المتأخرين منهم، رحمه الله تعالى في كتابه المحصول في أصول الفقه (1/ 385 - 386) في الفصل الأول: " الباب التاسع: في كيفية الاستدلال بخطاب الله وخطاب رسوله صلى الله عليه و سلم على الأحكام.

وفيه مسائل: المسألة الأولى: في أنه لا يجوز أن يتكلم الله تعالى بشيء ولا يعني به شيئاً.

والخلافُ فيه مع الحشويَّةِ.

لنا وجهان: أحدهما: أن التكلم بما لا يفيد شيئاً هذيان، وهو نقص، والنقص على الله تعالى محال.

وثانيها: أن الله تعالى وصف القرآن بكونه هدى وشفاء وبياناً وذلك لا يحصل بما لا يفهم معناه ".

قال مقيده عفا الله عنه: أراد الرازي هنا الرد على أهل السنة المثبتين لصفات الله تعالى، وسماهم حشوية، كما هو عادة المبتدعة في التشنيع على أهل السنة،كما قال الإمام المحدث أبو حاتم الرازي رحمه الله تعالى أحد أئمة أهل الحديث: " علامة الزنادقة أن يسموا أهل الأثر حشوية " كما ذكره الذهبي في العلو ص190.

وما ذكره ابن الخطيب محتجاً عليهم به راجع إلى فهمه مذهبهم، إذ ظن أن التفويض هو مذهبهم، إذ هم عنده لا يفهمون من نصوص الصفات شيئاً.

قال شيخ الإسلام علم الأعلام مفتي الفرق تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني، الشهير بابن تيمية وشيخ الإسلام، رحمه الله تعالى في الفتوى الحموية ضمن مجموع الفتاوى (5/ 9): " هؤلاء إنَّمَا أُتُوْا مِنْ حَيْثُ ظَنُّوا: أَنَّ طَرِيقَةَ السَّلَفِ هِيَ مُجَرَّدُ الْإِيمَانِ بِأَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ فِقْهٍ لِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّيِّينَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إلَّا أَمَانِيَّ} ".

وقد وقع الرازي هنا في غلط وتناقض، أما الغلط فهو في تصويره المسألة بقوله: " لا يجوز أن يتكلم الله تعالى بشيء ولا يعني به شيئاً "، قال شيخ الإسلام في الإكليل في المتشابه والتأويل ضمن مجموع الفتاوى (13/ 286) بعد أن قال: " الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ لَمْ يَمْتَنِعْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ تَفْسِيرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا قَالَ هَذِهِ مِنْ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ مَعْنَاهُ وَلَا قَالَ قَطُّ أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَلَا مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمَتْبُوعِينَ: إنَّ فِي الْقُرْآنِ آيَاتٍ لَا يَعْلَمُ مَعْنَاهَا وَلَا يَفْهَمُهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ جَمِيعُهُمْ، وَإِنَّمَا قَدْ يَنْفُونَ عِلْمَ بَعْضِ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ، وَهَذَا لَا رَيْبَ فِيهِ.

وَإِنَّمَا وَضَعَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الطَّوَائِفِ بِسَبَبِ الْكَلَامِ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ وَآيَاتِ الْقَدَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَلَقَّبُوهَا: " هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَمِلَ الْقُرْآنُ عَلَى مَا لَا يُعْلَمُ مَعْنَاهُ ". وَمَا " تَعَبَّدْنَا بِتِلَاوَةِ حُرُوفِهِ بِلَا فَهْمٍ " " وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ بِلَقَبِ شَنِيعٍ " - وهو يعني به الرازي كما صرح في موضع آخر -، قال: " وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ مُسْلِمٌ إنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِمَا لَا مَعْنَى لَهُ. وَإِنَّمَا النِّزَاعُ هَلْ يَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يُفْهَمُ مَعْنَاهُ؟ وَبَيْنَ نَفْيِ الْمَعْنَى عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ وَنَفْيِ الْفَهْمِ عِنْدَ الْمُخَاطَبِ بَوْنٌ عَظِيمٌ ".

أما التناقض – وهو المقصود هنا – فهو في تعليله لمذهبه في نفي ذلك بقوله: " أن التكلم بما لا يفيد شيئاً هذيان، وهو نقص، والنقص على الله تعالى محال "، وهذا يناقض قاعدته في نفي التحسين والتقبيح العقليين.

قال الإمام الأصولي شهاب الدين القرافي رحمه الله تعالى في نفائس الأصول في شرح المحصول (3/ 1044 - 1045) متعقباً كلام الرازي: " قلنا: مذهب أهل الحق أن الله تعالى لا يجب تعليل أفعاله ولا أحكامه بالأغراض، ولا يجب على الله تعالى رعاية مصلحة ولا درء مفسدة، وإنما تصح هذه الدعوى على قاعدة المعتزلة في الحسن والقبح ".

وقال شيخ الإسلام: " احْتَجَّ - أي: الرازي - بِمَا لَا يَجْرِي عَلَى أَصْلِهِ، وَعِنْدَهُ أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْبُحُ مِنْهُ شَيْءٌ أَصْلًا، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ كُلَّ شَيْءٍ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: الْعَبَثُ صِفَةُ نَقْصٍ فَهُوَ مُنْتَفٍ عَنْهُ؛ لِأَنَّ النِّزَاعَ فِي الْحُرُوفِ وَهِيَ عِنْدَهُ مَخْلُوقَةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْأَفْعَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَمِلَ الْفِعْلُ عِنْدَهُ عَلَى كُلِّ صِفَةٍ.

فَلَا نَقْلٌ صَحِيحٌ وَلَا عَقْلٌ صَرِيحٌ ".

قال مقيده عفا الله عنه: رغم وضوح هذا التناقض، وتنبيه القرافي وهو إمام من أئمة الأشعرية عليه، فإن بعض جهلة الأشاعرة من المتأخرين لا يزال يقرر هذا في ترجيح مذهب التأويل على التفويض، كما في نظم الفرائد وجمع الفوائد في بيان المسائل التي وقع الخلاف فيها بين الماتريدية والأشعرية في العقائد ص203 معزواً لمشايخ الأشاعرة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير