[تناقضات الأشعرية (7): ادعائهم نفي علو الله تعالى بألسنتهم، وإقرارهم بذلك عند الرجوع إلى فطرهم]
ـ[محمد براء]ــــــــ[04 - 07 - 09, 02:28 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
[تناقضات الأشعرية (7): ادعائهم نفي علو الله تعالى بألسنتهم، وإقرارهم بذلك عند الرجوع إلى فطرهم]
قال الإمام الأديب أبو محمد ابن قتيبة الدينوري رحمه الله تعالى في تأويل مختلف الحديث في معرض مناقشة الجهمية في قولهم إن الله في كل مكان: " ولو أن هؤلاء رجعوا إلى فطرهم وما رُكِّبَت عليه خلقتهم من معرفة الخالق سبحانه لعلموا أن الله تعالى هو العلي وهو الأعلى، وهو بالمكان الرفيع، وأن القُلوبَ عند الذكر تسمو نحوه، والأيدي ترفع بالدعاء إليه، ومن العلو يرجى الفرج ويتوقع النصر وينزل الرزق، وهنالك الكرسي والعرش والحجب والملائكة ".
وقال ابن تيمية في العقل والنقل (7/ 5) في تقرير الطرق العقلية لإثبات صفة العلو: " الطريق الثاني: أن يقال: عُلوُّ الخالق على المخلوق وأنه فوق العالم أمرٌ مُستقرٌّ في فطر العباد، معلومٌ لهم بالضرورة، كما اتَّفَقَ عليه جميعُ الأُمَم إقراراً بذلك وتصديقاً، من غير أن يتواطؤوا على ذلك ويتشاعروا، وهم يخبرون عن أنفسهم أنهم يجدون التصديق بذلك في فطرهم.
الطريق الثالث: أن يقال: هم عندما يضطرون إلى قصد الله وإرادته مثل قصده عند الدعاء والمسألة؛ يضطرون إلى توجه قلوبهم إلى العلو، فكما أنهم مضطرون إلى دعائه وسؤاله؛ هم مضطرون إلى أن يوجهوا قلوبهم إلى العلو إليه، لا يجدُون في قُلوبهم توجُّهَاً إلى جهة أخرى، ولا استواء الجهات كلها عندها وخلو القلوب عن قصد جهة من الجهات، بل يجدون قلوبهم مضطرة إلى أن تقصد جهة علوهم دون غيرها من الجهات.
وهذا الوجه يتضمن بيان اضطرارهم إلى قصده في العلو وتوجههم عند دعاءه إلى العلو، والأول يتضمن فطرتهم على الإقرار بأنه في العلو والتصديق بذلك، فهذا فطرة واضطرار إلى العلم والتصديق والإقرار، وذلك اضطرار إلى القصد والإرادة والعمل متضمن للعلم والتصديق والإقرار ".
وقال ابن القيم في القصيدة النونية:
وعلوه فوق الخليقة كُلِّهَا = فُطِرت عليه الخلقُ والثقلانِ
لا يستطيع معطل تبديلها = أبداً وذلك سُنَّةُ الرحمنِ
كل إذا ما نابه أمر يُرَى = متوجهاً بضرورةِ الإنسانِ
نحو العلو فليس يطلب خلفَهُ = وأمامَهُ أو جانبَ الإنسانِ
ونهاية الشُّبُهَات تشكيك وتخميش = وتغبير على الإيمان
لا يستطيع تعارض المعلوم والـ = معقول عند بدائه الإنسانِ
فمن المحال القدح في المعلوم = بالشبهات، هذا بَيِّنُ البُطلانِ
وإذا البدائه قابلتها هذه = الشبهات لم تحتج إلى بطلان
شتان بين مقالة أوصى بها = بعضٌ لبعضٍ أول للثاني
ومقالةٍ فطر الإله عباده = حقا عليها ما هما عِدْلانِ
قال مقيده عفا الله عنه: سلكت الأشعرية في مسألة العلو مسلك الجهمية، من جهة أنَّهم نفوه، وفارقوهم في أنهم لم يقولوا بأن الله في كل مكان، بل قالوا: هو ليس في مكان، فليس داخل العالم ولا خارجه، ومن المعلوم أن أئمة السلف قاموا على الجهمية في مقالتهم تلك، وكل نص في الرد على الجهمية مما استدل به السلف، يصلح رداً على الأشعرية، وكذلك كلمات الأئمة في تبديع أو تكفير من لم يقر بأن الله فوق عرشه، تصدق على الأشعرية، وهي مجموعة في سفر للحافظ أبي عبد الله الذهبي رحمه الله تعالى.
والمقصود هنا: بيان تناقض الأشعرية في نفيهم العلو بألسنتهم في كتبهم ومصنفاتهم، ومن ثم إقرارهم به إذا رجعوا إلى فطرهم، ونأخذ ما ذكره الحافظ الذهبي عن إمام الحرمين أبي المعالي الجويني مثالاً على ذلك.
قال: قال أبو منصور بن الوليد الحافظ في رسالة له إلى الزنجاني: انبأنا عبد القادر الحافظ بحران: أنبأنا الحافظ أبو العلاء: أنبأنا أبو جعفر بن أبي علي الحافظ قال: سمعت أبا المعالي الجويني وقد سُئِل عن قوله: " الرحمن على العرش استوى ".
فقال: كان الله، ولا عرش!. وجعل يتخبَّطُ في الكلام.
فقلتُ: قد علمنا ما أشرت إليه، فهل عندك للضَّرُورات من حيلة؟!.
فقال: ما تُريدُ بهذا القول؟ وما تعني بهذه الإشارة؟
¥