المظهر الرابع: موت المشاعر الدينية، وعدم الغضب من أجل الله تعالى؛ فإن المرء يمر في يومه وليلته بفتن كثيرة، وامتحانات متتالية، على رأسها هذه المنكرات التي تموج بالناس حتى تكاد تغرقهم، وما تواجه به تعاليم الإسلام من السخرية والاستهزاء، وما تتعرض له بعض شعوب المسلمين من حروب الإبادة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلًا، وما يشاهده المسلم اليوم من سقوط أكثر المسلمين في شباك الغرب والشرق.
فعزاؤنا كل العزاء في كل من لا يشعر بهذا البلاء، ولا يحاول المشاركة في دفعه أو رفعه، ولو كان بلسانه أو بقلبه، حتى غدا قلبه كأي قطعة لحم ميتة، لا نبض فيها ولا حراك.
يقول النبي ?: ((تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ؛ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادٌ كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ) ().
المظهر الخامس: عدم الشكر في السراء، وعدم الصبر في الضراء، وإنما يأتي ذلك من ضعف الإيمان، والفتور في الصلة بين العبد وخالقه، فلو أن العبد استحضر أن كل نعمة تصل إليه إنما هي من الله وحده، لشكر الله عليها، فتزداد صلته بخالقه الذي مَنَّ عليه بهذه النعم وغيرها، ولو أنه حينما تحل به مصيبة، أو تقع به كارثة، علم بأنها ابتلاء وامتحان من الله، ليصبر عليها، لينال أجر الصابرين، فيفوز مع الفائزين، ولا يكون الشكر في امتحان النعمة، والصبر في امتحان الشدة إلا من المؤمنين.
يقول النبي ?: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) ().
فلننتبه أن تغرقنا الفرحة بالنعمة في بحر الكفر بمن مَنَّ بها علينا، أو توقعنا المصيبة في فقدان الأمل في الفرج بمن عنده مفاتيح الفرج سبحانه وتعالى.
المظهر السادس: المجاهرة بالمعصية، وعدم مبالاة المرء بمعرفة الناس بوقوعه فيها، وهي من أعلى مراتب الفتور، حتى حذّر النبي ? منها في قوله: (كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ) ().
وما أشنع هذا الفعل الذي تتوغل النفس فيه في غمرة المعصية المقترنة بالجهل، فيزيد على وباء الذنب، ظلمة الانسلاخ من الحياء من الله ومن خلقه، وإن الحياء لشعبة من شعب الإيمان، فكيف إذا كان من الله تعالى!!
أما تشتاق نفس هذا المجاهر بالمعصية، إلى ستر الله تعالى يوم القيامة، الذي جعله الله لمن أذنبوا ولم يجاهروا، يقول النبي ?: (إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ، قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ
حَسَنَاتِهِ) ().
هذه جملة من الأعراض التي تظهر على المصاب بداء الفتور، توخيت في اختيارها كثرة الوقوع، وغالبية الحدوث.
والشأن في أسباب الفتور كذلك أيضًا، فإنها كثيرة، وتختلف من بيئة إلى أخرى، ومن شخص لآخر، غير أنه يمكن تسليط الضوء على جملة منها، نتلمس فيها الواقعية والأهمية، فحاول أن تعيش معي معرفة هذه الأسباب، فإن معرفة سبب الداء، طريق إلى إتقان الدواء.
أسباب الفتور
¥