وحال حديثة عن الصديقة بنت الصديق .. حبيبة الحبيب .. أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ ذكر أن الغرض الأول أو الغرض الذي تنتهي إليه جميع الأغراض من تدوين سير العظماء هو (توثيق الصلة بين الإنسانية وبين عظمائها وعظيماتها، والنفاذ إلى الجانب الإنساني من كل نفس تستحق التنويه والدراسة) (7)
وحال حديثه عن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ أكد أن الذي يعنيه من عرض العبقريات هو (التعريف بالنفس الإنسانية في حالة من أحوال العظمة والعبقرية) (8)
وحال حديثة عن (بنيامين فرانكلين) بثَّ شكواه من تطاول الكثرة وظهور التخصص على العظماء، وأعلن أنه إذْ يؤرخ لبنيامين فرانكلين فهو ينقذ العظمة من هجمة الكثرة وظهور التخصصية بإبراز حياة هذا العبقري (9). وهو كاذب فلم يؤرخ لبنيامين فرانكلين وإنما علَّق على مذكراته.
نعم لا يشك عاقل في أن عبقريات العقاد لم تكتب أبداً انتصاراً للإسلام، بل كتبت لغرضٍ آخر هو الدفاع عن (الفردية) .. (العظماء) .. (رد هجمة التخصصية) .. إلى آخر ما يقول هو (10)، وهذا ما يفهمه المسوقون لبضاعة العقاد الفكرية، فمقدم رسالة (الصهيونية العالمية) يقول عن العقاد: (ومن يقرأ كتبه ولا سيما عبقرياته وحملاته ضد الحكم المطلق والمبادئ الهدامة يعرف أنه يدين بالقيم العليا، ويقيس عظمة الرجال والأعمال بالمقاييس الأخلاقية) (11)
يُقدَّمُ عباسُ العقاد للناس كأديب، والحقيقة أن عباسَ العقاد كشخص وكنتاج لم يكن أديباً إلا قليلا، فجل ما تركه لنا أطروحات فكرية وليست أدبية .. بل لا أكون مبالغاً إذا قلتُ إن عباس العقاد أعاد صياغة الشريعة الإسلامية من جديد، حاول إخراج الإسلام في ثوبٍ جديد!؛ لا أنه حاول الانتصار للإسلام كما جاء به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان عليه صاحبته والتابعين لهم.
ما عباس العقاد إلا قراءة جديدة للشريعة الإسلامية، لا أراه غير ذلك، ومن قدَّمه لنا يعرفون ذلك بل ويقصدوه، يقول صاحب دار الكتاب بدولة لبنان في تقديمه للمجلد الخامس والأخير من موسوعة العقاد الإسلامية: (يتألف هذا القسم من نتاج العقاد، والذي دعوناه ((بموسوعة العقاد الإسلامية)) من خمسة مجلدات هي العبقريات و ((شخصيات إسلامية)) و ((توحيد وأنبياء)) و ((القرآن والإنسان)) و ((بحوث إسلامية))، ويشمل على خمسة وعشرين كتاباً مختلفة، تؤلف الذخيرة اللازمة للاطلاع على حقيقة الدين الإسلامي وجوهرة) (12).
هذا ما يدور في رأس من قدّمه لنا .. يُخرجه لنا لنطلع من خلاله على (حقيقة الدين الإسلامي وجوهرة) .. يهدف إلى (بعث التراث العربي، وتوجيه الأفكار إليه، وحمل الجماهير العربية على الإعجاب به والاطمئنان إليه) (13) كما يقول هو بلسانه.!!
وزد على ذلك أنه إلى يومنا هذا تعقد الندوات والمؤتمرات من أجل تعريف الناس بأفكار عباس العقاد (14) فالأمر جدُّ خطير. والتصدي لعباس العقاد لابد منه، والتحدث عن عباس العقاد كأديب لابد أن يتوقف، ومن يروجون لكتبه على أنها نصوص نثرية ذات قيمة أدبية لابد أن يراجعوا أنفسهم من جديد.
المقصود هو بيان أن: عباسُ العقاد كتب العبقريات لشيءٍ آخر .. كتب من أجل (العظمة) من أجل (الإنسانية) يؤرخ للفردية.كما يقول هو.كتب عن الشاذين عقدياً وكتب عن الكافرين (غاندي وبنيامين فرنكلين مثلا)، كما كتب عن المرسلين والصِّديقين، فلا داعي أن نحمله على أكتافنا ونقول يدافع عن إسلامنا، فلا هو ابن أخينا ولا ابن اختنا!!
ثالثاً: هل كان ظلاماً؟
أحد المدافعين عن العقاد يقول: لم يكن هناك علم بالدين .. كان ظلاماً.!!
وكأنَّ العقاد جاء على فترة من الرسل، في أمة أمية لم تقرأ ولم تكتب ولم تسمع عن الأولين أو المعاصرين!!
وهو قولُ من لا يعرف. بل قولُ من لا يريد أن يعرف (15)، هو قول من يدفع الحقائق لا تكذيباً لها ولا لمن جاء بها وإنما مخافة ما تنطوي عليه!!
عايش عباس العقاد الصحوة الإسلامية في أوجها، وكانت الأكثر دوياً في تاريخنا المعاصر؛ كانت تناظر، وكانت تجاهد، وكانت منتشرة في كل مكان، وكانت موصولة بالجماهير تهتف بها فترد عليها من كل مكان .. الهند والعراق واليمن والحجاز والشام والمغرب ومصر والسودان (16).
¥