تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وسلم، ويحب لذلك أحب الناس إليه وإلى نصرته الأقرب فالأقرب من الصِّدِّيق إلى الفاروق إلى بقية العشرة، إلى أهل بيعة الرضوان رضي الله عنهم؛ ويهتز طرباً أيضا لبسمة يبتسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرحه، ويغلب عليه حلم اليقظة بأن تهفو نفسه إلى حضور مشاهِده عليه الصلاة والسلام، فيحلم بأنه فيها؛ لشدة تأثره، وتدمع عينه لما يراه من رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولمواقفه كلما حز به أمر كدعائه اللحوح يوم بدر حتى أشفق عليه أبوبكر الصديق رضي الله عنه .. ثم إن النية التي يصدر عنها الحب نيتان: نية المقصود بالعمل وهو الله سبحانه، ولا تصح ولا تقبل هذه النية إلا بالنية الأخرى وهي (تمييز العمل المقصود)، وهو ما كان عليه أمر الشرع أو نهيه، وهو على قسمين أيضاً: عمل مردود لا يقبل من جهة الثواب، ويُسقِط العقاب عن الترك كمن صلى في دار مغصوبة؛ فصلاته صحيحة على أرجح الأقوال وهو اليقين عندي، وغصبه الدار حرام يُعاقَب عليه ويُسقط أجر صلاته إلا أن يتداركه الله برحمته .. وعمل مردود وفيه وزر، وهو على قسمين أيضاً: عبادة الله بغير ما شرع من الشرك؛ فهذا مخرج من الملة .. واقتراف بدعة لا تخرج من الملة كالمسبحة الألفية مع الأمر بالتسبيح بالأصابع وأنهن مُستنطقات يوم القيامة، وأننا نسبح الله ولا نحصي، وبهذا صح النص الشرعي بالتسبيح بالأصابع، وصح النهي عن التسبيح بالحصى المعدود وهو مثل السُّبحة الألفية .. ويُخشى على من تمادى على البدعة وهو يعلمها سوء الخاتمة؛ لأن لله سبحانه مكراً بمن يمكر به، وفتنة في المحيا والممات.

والنوع الثاني من الصوفية: قوم يُعتذر لهم، ويُحبون لما فيهم من خير، ولا يُتَّبعون فيما أخطأوا فيه كخطرات لبعض الأئمة كسفيان الثوري وإبراهيم بن أدهم، وبعض من ذكرهم أمثال أبي نعيم في حلية الأولياء .. وهكذا من غلبه وجد فنطق بالفناء وشبه ذلك، ولست أرى صواب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن قيم الجوزية (رحمهما الله تعالى، وهما العدوَّان اللدودان للتصوَّف) عندما يبلغ الاعتذار منهما لبعض الصوفية إلى توجيه كلامهم كما في الاستقامة ومدارج السالكين، ولقد أسهبت عن ذلك في أحد كتبي الأخيرة، وأظن أن ذلك في الجزء الأول من كتابي (عبد ربه في المعترك)، وبميزان العدل إن شاء الله - وأسأل ربي صدق القول والعمل - أذكر نماذج من المعادلة؛ فهذا أبوالفيض ذو النون بن إبراهيم المصري رحمه الله تعالى من عباد الله الصالحين العابدين الورعين الزاهدين رُوي عنه أنه جعل من القبيح في الدين أن تعبد الله وأنت تريد ثوابه، بل الطاعة الحقيقية أن يطلَّع الله على قلبك وأنت لا تريد منه شيئاً!! (4)، فمثل هذا أرجو أن لا يصح عنه، وإن صح عنه فهو مصادم لنصوص الشرع؛ فيعتذر له بجهله ولا يتابع عليه؛ ويكذبه قول الله سبحانه وتعالى المعصوم قطعي الدلالة في مدح من هم أفضل عند الله من ذو النون بلا ريب: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (سورة الأنبياء/ 89 - 90)، ومثل هذا كثير في الشرع، واجتهد عبدالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم في العبادة وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؛ لأنه يريد أن يكون عبداً شكوراً، وهو يعلم عِظَم الأجر لمثل هذا الشكر؛ إذ يبلغ في الآخرة درجة لا يبلغها أحد غيره من الثقلين؛ فقول ذو النون بدعة مخالف لما عليه النص الشرعي القطعي المحكم مخالفةَ البديلِ .. وهذه معادلة ثانية: وهي أن شيخ الإسلام أبا محمد إسماعيل بن أبي إسحاق إبراهيم (من الحُفَّاظ أيضاً) ابن محمد الهروي القَرَّاب (وأخو إسماعيل أبويعقوب إسماعيل من الحفاظ أيضاً) (- 414هـ) رحمهم الله تعالى إمام من الأئمة في العلوم الشرعية وفي أكثر من فن، ومن العُبَّاد الزُّهاد، وقد داخله رحمه الله داء التصوف الذي هو فوق البدعي؛ فقال في منازل السائرين عن الدرجة الثالثة من درجات العارفين: (صفاء اتصال يُدْرِج حَظَّ العبودية في حق الربوبية؛ ويُغرْق نهايات الخبر في بدايات العيان، ويطوي خِسَّة التكاليف في عين الأزل) (5).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير