تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ودين الإسلام هو الوسط وهو الحق والعدل وهو متضمن لما يستحق أن يكون معقولاً ولما ينبغي عقله وعلمه ومنزه عن الجهل والضلال والعجز وغير ذلك مما دخل فيه أهل الانحراف فسلك الإمام أحمد وغيره مع الاستدلال بالنصوص وبالإجماع مسلك الاستدلال بالفطرة والأقيسة العقلية الصحيحة المتضمنة للأولى , وذلك أن النجاسات مما أمر الشارع باجتنابها والتنزه عنها , وتوعد على ذلك بالعقاب كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: تنزهوا عن البول فإن عامة عذاب القبر منه.

وهذا مما علم بالاضطرار من دين الإسلام, وهي مما فطرت القلوب على كراهتها والنفور عنها واستحسان مجانبتها لكونها خبيثة؛ فإذا كان العبد المخلوق الموصوف بما شاء الله من النقص والعيب الذي يجب تنزيه الرب عنه لا يجوز أن يكون حيث تكون النجاسات , ولا أن يباشرها ويلاصقها لغير حاجة , وإذا كان لحاجة يجب تطهيرها ثم إنه في حال صلاته لربه يجب عليه التطهير؛ فإذا أوجب الرب على عبده في حال مناجاته أن يتطهر له وينزه عن النجاسة كان تنزيه الرب وتقديسه عن النجاسة أعظم وأكثر للعلم بأن الرب أحق بالتنزيه عن كل ما ينزه عن غيره.

"بيان تلبيس الجهمية " (2

536)

وقال شيخ الإسلام: " والله تعالى له المثل الأعلى فلا يجوز أن يقاس على غيره قياس تمثيل يستوي فيه الأصل والفرع , ولا يقاس مع غيره قياس شمول تستوي أفراده في حكمه؛ فإن الله سبحانه ليس مثلاً لغيره ولا مساوياً له أصلاً بل مثل هذا القياس هو ضرب الأمثال لله وهو من الشرك ,والعدل بالله , وجعل الند بالله , وجعل غيره له كفوا وسميا , وهم مع هذا كثير والبراءة من التشبيه والذم له وهم في مثل هذه المقاييس داخلون في حقيقة التمثيل والتشبيه والعدل بالله , وجعل غيره له كفواً ونداً وسمياً كما فعلوا في مسائل الصفات والقدر وغير ذلك.

ولهذا ذكر الوزير أبو المظفر ابن هبيرة في كتاب" الإيضاح في شرح الصحاح" أن أهل السنة يحكون أن النطق بإثبات الصفات وأحاديثها يشتمل على كلمات متداولات بين الخالق وخلقه , وتحرجوا من أن يقولوا مشتركة لأن الله تعالى لا شريك له بل لله المثل الأعلى , وذلك هو قياس الأولى والأحرى فكلما ثبت للمخلوق من صفات؛ فالخالق أحق به وأولى وأحرى به منه لأنه أكمل منه , ولأنه هو الذي أعطاه ذلك الكمال فالمعطي الكمال لغيره أولى وأحرى أن يكون هو موصوفا به إذ ليس أعطى , وأنه سلب نفسه ما يستحقه وجعله لغيره؛ فإن ذلك لا يمكن بل وهب له من إحسانه وعطائه ما وهبه من ذلك كالحياة والعلم والقدرة , وكذلك ما كان منتفياً عن المخلوق لكونه نقصاً وعيباً , فالخالق هو أحق بأن ينزه عن ذلك وقد بسطت هذه القاعدة في غير هذا الموضع.

وعلى هذا فجميع الأمور الوجودية المحضة يكون الرب أحق بها لأن وجوده أكمل , ولأنه هو الواهب لها فهو أحق باتصافه بها , وجميع الأمور العدمية المحضة يكون الرب أحق بالتنزيه عنها لأنه عن العدم أبعد من سائر الموجودات.

ولأن العدم ممتنع لذاته على ذاته , وذاته بذاته تنافي العدم , وما كان فيه وجود وعدم كان أحق بما فيه من الوجود وأبعد عما فيه من العدم فهذا أصل ينبغي معرفته؛ فإذا أثبت له صفات الكمال من الحياة والعلم والقدرة والكلام والسمع والبصر وغير ذلك بهذه الطريق القياسية العقلية التي لله فيها المثل الأعلى كان ذلك اعتباراً صحيحاً , وكذلك إذا نفي عنه الشريك والولد والعجز والجهل ونحو ذلك بمثل هذه الطريق , ولهذا كان الإمام أحمد وغيره من الأئمة يستعملون مثل هذه الطريق في الأقيسة العقلية التي ناظروا بها الجهمية.

"بيان تلبيس الجهمية " (1

327)

وقال ابن أبي العز الحنفي: ومما يوضح هذا أن العلم الإلهي لا يجوز أن يستدل فيه بقياس تمثيلي يستوي فيه الأصل والفرع , ولا بقاس شمولي يستوي أفراده؛ فإن الله سبحانه ليس كمثله شيء فلا يجوز أن يمثل بغيره , ولا يجوز أن يدخل هو وغيره تحت قضية كلية يستوي أفرادها, ولهذا لما سلكت طوائف من المتفلسفة والمتكلمة مثل هذه الأقيسة في المطالب الإلهية لم يصلوا بها إلى اليقين بل تناقضت أدلتهم وغلب عليهم بعد التناهي الحيرة والاضطراب لما يرونه من فساد أدلتهم أو تكافيها ولكن يستعمل في ذلك قياس الأولى سواء كان تمثيلاً أو شمولاً كما قال تعالى {ولله المثل الأعلى} مثل أن يعلم أن كل كمال للممكن أو للمحدث لا نقص فيه بوجه من الوجوه , وهو ما كان كمالاً للوجود غير مستلزم للعدم بوجه؛ فالواجب القديم أولى به ,وكل كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه ثبت نوعه للمخلوق والمربوب المدبر؛ فإنما استفاده من خالقه وربه ومدبره , وهو أحق به منه وأن كل نقص وعيب في نفسه , وهو ما تضمن سلب هذا الكمال إذا وجب نفيه عن شيء من أنواع المخلوقات والممكنات والمحدثات؛ فإنه يجب نفيه عن الرب تعالى بطريق الأولى.

"شرح الطحاوية" (119)

وقال شيخ الإسلام: … والثالثة طريق قياس الأولى وهي الترجيح والتفصيل , وهو أن الكمال إذا ثبت للمحدث الممكن المخلوق فهو للواجب القديم الخالق أولى , والقرآن يستدل بهذه وهذه.

ثم قال: وأما الاستدلال بطريق الأولى فقوله {ولله المثل الأعلى} ومثل قوله {ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم}.

وأمثال ذلك مما يدل على أن كل كمال لا نقص فيه يثبت للمحدث المخلوق الممكن فهو للقديم الواجب الخالق أولى من جهة أنه أحق بالكمال لأنه أفضل.

"مجموع الفتاوى" (16/ 357)

والله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير