والفرق بين التفسير باللازم والتفسير بالمطابقة هـ?ذا سيأتي -إن شاء الله- مفصلا في قاعدة شيخ الإسلام أو في المقدمة؛ وهو أن اللفظ له دلالات: دلالة بالمطابقة، ودلالة بالتضمن، ودلالة التزام، وهـ?ذا اللازم هو خارج عن مطابقة اللفظ وعما تضمنه؛ لكن قد يكون مضمنا إذا كان معدًّى بحرف يناسب الفعل الذي ضُمِّن فيه مثل: ?اسْتَوَى إِلَى? فهي إذا كانت بمعنى (علا) فهي تكون معداة بـ: على. يعني (على) التي هي حرف جر كما قال جل وعلا: ?الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى? [طه:5]، ?ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ? [الفرقان:59]، استوى تعدى بـ (على)، ?فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَن مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ? [المؤمنون:28]، هـ?ذا بمعنى العلو، فإذا أُريد أن يكون مع العلو معنى آخر ضُمِّن اللفظ الأول معنىً -معنى فعل آخر- ودُلّ عليه بتعديته بحرف جر يناسب المعنى الذي ليس فيه مطابقة اللفظ، مثل هنا ?اسْتَوَى إِلَى? لما عدي بحرف الجر (إلى) علمنا أنه ضُمن معنى (قصد).
وهـ?ذا التفسير فيه إثبات للمعنى الأول فيكون المعنى (على) على السّماء: قاصدا إلى السماء، فليس نفي للمعنى الأول فيكون تأويلا أو تحريفا للكلم عن مواضعه، وإنما فيه إثبات للمعنى الأول وإثبات معنى ثان دل عليه المقام.
وهـ?ذا له نظائر -التضمين له نظائر- مثلا في قوله جل وعلا في سورة الحج: ?وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ? [الحج:25]، قال: ?وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ? معلوم أن كلمة (أراد) تتعدى بنفسها، يقال: أراد كذا، أراد الخير، أراد الشر، ?فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ? يعني فمن يرد الله هدايته، تتعدى بنفسها، هنا عدّى (أراد) بحرف جر الذي هو الباء ?وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ? لو كانت (أراد) بمعنى (أراد) المعروفة لكانت التعدية بدون الباء: ومن يريد فيه إلحادا بظلم؛ لكن لما عداه بالباء دلّنا على أن (أراد) مع معناها الأصلي ضُمِّنت معنى فعل آخر يناسب هـ?ذا الحرف الذي عُدِّي به، والذي يناسب الباء هو الهمّ؛ لأنه يقال: همّ بكذا، ولهـ?ذا كثيرون من أهل التفسير يقولون: إن معنى قوله: ?وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ? يعني: من همّ فيه بإلحاد، وهـ?ذا من خصائص مكة كما قرره ابن القيم مفصلا في أول الهدي النبوي يعني أول زاد المعاد، وهـ?ذا له نظائر.
فإذن ليس كل ما يكون ظاهره -في تفسير البغوي أو في غيره- ليس تفسيرا للصفة بما هو معناها مطابقة أنه يكون تأويلا ومخالفة لمنهج السلف، لا، أحيانا يكون تفسيرا باللازم.
وهـ?ذا من العلم المهم أن يعرف، ويأتي إن شاء الله التنبيه عليه في مواضعه.
ـ[ناصر الدين الجزائري]ــــــــ[11 - 06 - 09, 11:04 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
جزى الله خيرا أبا شعيب على هذا الإيضاح و البيان و النقل الطيب النافع
أحسنت أخي، ماشاء الله لا قوة إلا بالله
ـ[أبو الفتح محمد]ــــــــ[02 - 08 - 09, 05:19 م]ـ
تفسير باللازم والثمرة إذا كان السياق يقتضى ذلك أما هنا فليس يقتضيه.
ـ[أبو هريرة الغزاوي]ــــــــ[02 - 08 - 09, 06:42 م]ـ
ألا يلزم للقول بأن هذا من تفسير اللازم؛ أن يكون البغوي قد أثبت هذه الصفة في موضع آخر؟ وإلاّ نكون قد حرّفنا ظاهر كلام البغوي، وإن كان العالم السني يوافق أهل السنة والجماعة في إثبات كثير من الصفات؛ فهل هذا يعني أنه لا يخالفهم في بعض الصفات؟ وألا نكون بهذه الطريقة قد نفينا الخلاف مطلقا بين علماء السنة بحجة أن تفسير المخالف منهم تفسير باللازم وليس تأويلا للصفة؟!!
ـ[صقر بن حسن]ــــــــ[02 - 08 - 09, 09:29 م]ـ
قال فى تفسير الرحمن الرحيم فى أول تفسيره: (والرحمة إرادة الله تعالى الخير لأهله. وقيل هي ترك عقوبة من يستحقها وإسداء الخير إلى من لا يستحق).
جزى الله الشيخ صالح كل خير فقد بين ووضح ما يحتاج إلى بيان
ـ[أبو إسحاق السندي]ــــــــ[03 - 08 - 09, 05:53 م]ـ
الذي يظهر - والعلم عند الله - أن البغوي رحمه الله أراد تفسير حقيقة الرحمة بالمعنى المطابقي، ولم يقصد التفسير باللازم. يدل على ذلك أمران:
الأول: أنه ليس ثَم سياق يقتضي التفسير باللازم، كما يكون في بعض الآيات حيث يصح فيها تفسير الرحمة بالمغفرة، أو الرزق، أو الجنة، أو إثابة والأجر.
وإنما هنا أول موضع جاء فيها ذكر الرحمة في القرآن ضمن نعته سبحانه بالاسمين الكريمين (الرحمن الرحيم) فالمقام مقام بيان الرحمة من حيث هي هي بذكر معناها الحقيقي، وليس المقام مقام ذكر التفسير باللازم.
الثاني: تتمة كلام البغوي - رحمه الله - يدل على أنه أراد المعنى الحقيقي المطابقي. وإليكم نص كلامه:
والرحمة إرادة الله تعالى الخير لأهله. وقيل هي ترك عقوبة من يستحقها وإسداء الخير إلى من لا يستحق، فهي على الأول صفة ذات، وعلى الثاني صفة فعل.
ومن الواضح أن الحكم على الشيء يكون حسب معناه المُطابَقي وليس بلوازمه. فمثلا (الحياة) من صفات الله الذاتية لكن لو نظرنا إلى لوازمها، فنجد من لوازمها أنه تعالى فعّال لما يريد، والفعل - كاسمه - صفة فعل. فلو قال قائل: "الحياة معناها أنه - تعالى - فعال لما يريد، وعلى هذا، فالحياة صفة فعل! " يكون قوله باطلا عند جميع العقلاء، لأنه حكم على حقيقة الشيء من خلال لوازمه. اهـ
فالمقصود، أن البغوي بنى على المعنيين المذكورين، كون الرحمة صفة ذات، أو صفة فعل. وهذا لا يكون إلا إذا اعتقد البغوي أن المعنيين المذكورين تفسيرٌ مُطابَقيٌ للرحمة. وإلا، فلا يصح -كما سلف - أن يُفسَرالشيء باللازم، ثم يُحكم على حقيقته من خلال هذا اللازم.
والله تعالى أعلم.