وقال الدارمي في الرد على المريسي: وأما دعواه أن تفسير (القيوم) الذي لا يزول عن مكانه ولا يتحرك, فلا يقبل منك هذا التفسير إلا بأثر صحيح مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن بعض أصحابه أو التابعين لأن الحي القيوم يفعل ما يشاء ويتحرك إذا شاء ويهبط ويرتفع إذا شاء ويقبض ويبسط ويقوم ويجلس إذا شاء لأن أمارة ما بين الحي والميت التحرك كل حي متحرك لا محالة وكل ميت غير متحرك لا محالة ومن يلتفت إلى تفسيرك وتفسير صاحبك مع تفسير نبي الرحمة ورسول رب العزة إذ فسر نزوله مشروحا منصوصا ووقت لنزوله مخصوصا لم يدع لك ولا لأصحابك فيه لبسا ولا عويصا.
تفسير الأشاعرة لمعنى صفة " القيام بالنفس"
أما الأشاعرة ففسرو القيام بالنفس بمعنى عدم الاحتياج إلى المكان والمخصص!
ومعنى هذا كما يقول الغزالي في المقصد الأسنى:
" القيوم, أن الأشياء تنقسم إلى ما يفتقر إلى محل كالأغراض والأوصاف فيقال فيها إنها ليست قائمة بأنفسها , وإلى ما يحتاج إلى محل فيقال إنه قائم بنفسه كالجواهر إلا أن الجوهر , وإن قام بنفسه مستغنيا عن محل يقوم به فليس مستغنيا عن أمور لا بد منها لوجوده , وتكون شرطا في وجوده فلا يكون قائما بنفسه لأنه يحتاج في قوامه إلى وجود غيره , وإن لم يحتج إلى محل ...
المقصد الأسنى (132)
فأرادوا أنه الله تعالى ليس كالعرض في احتياجه إلى المكان , وإلى المخصص أي لمحدث أو موجد.
قال السنوسي: ويجب أيضا أن يكون تعالى قائما بنفسه أي ذاتا لا يفتقر إلى محل ويستحيل أن يكون صفة ومنهم من فسر قيامه بنفسه باستنغنائه عن المحل والمخصص ..
العقيدة الوسطى وشرحها (132) للسنوسي
وقال البيجوري: والدليل على عدم افتقاره إلى المحل أنه لو افتقر إلى محل لكان صفة ولو كان صفة لم يتصف بصفات المعاني والمعنوية وهي واجبة القيام به ..
والدليل على عدم افتقاره إلى المخصص أنه لو افتقر مخصص لكان حادثا .. .
تحفة المريد (69)
نقد كلام الأشاعرة
أ- أنهم جعلوا هذه الصفة من الصفات السلبية , وحقها أن تكون ذاتية وجودية.
قال ابن القيم رحمه الله
هذا ومن أوصافه القيوم ... والقيوم في أوصافه أمران
أحداهما القيوم قام بنفسه ... والكون قام به هما الأمران
فالأول استغناؤه عن غيره ... والفقر من كل إليه الثاني.
وقال رحمه الله: فالقيوم القائم بنفسه المقيم لغيره , فمن أنكر قيامه بنفسه بالمعنى المعقول فقد أنكر قيوميته وأثبت له قياما بالنفس يشاركه فيه العدم المحض بل جعل قيوميته أمرا عدميا لا وصفا ثبوتيا , وهي عدم الحاجة إلى المحل ومعلوم أن العدم لا يحتاج إلى محل , وأيضا فإنه يقال له ما تعني بعدم الحاجة إلى المحل تعني به الأمر المعقول من قيام الشيء بنفسه الذي يفارق به العرض القائم بغيره أم تعني به أمرا آخر , فإن عنيت الأول فهو المعنى المعقول والدليل قائم والإلزام صحيح , وإن عنيت به أمرا آخر فإما أن يكون وجوديا أو عدميا فإن كان عدميا فالعدم لا شيء كاسمه , فتعود قيوميته تعالى إلى لا شيء وإن عنيت به أمرا وجوديا غير المعنى المعقول الذي يعقله الخاصة والعامة فلا بد من بيانه لينظر فيه هل يستلزم المباينة أم لا؟
الصواعق المرسلة (4
1329)
ب- أرادوا بذلك نفي العلو عن الله تعالى.
قال ابن القيم: إن هذه الحجة العقلية القطعية ,وهي الاحتجاج بكون الرب قائما بنفسه على كونه مباينا للعالم , وذلك ملزوم لكونه فوقه عاليا عليه بالذات لما كانت حجة صحيحة لا يمكن مدافعتها , وكانت مما ناظر بها الكرامية لأبي إسحاق الإسفرائيني؛ فر أبو إسحاق إلى كون الرب قائما بنفسه بالمعنى المعقول وقال: لا نسلم أنه قائم بنفسه إلا بمعنى أنه غني عن المحل؛ فجعل قيامه بنفسه وصفا عدميا لا ثبوتيا , وهذا لازم لسائر المعطلة النفاة لعلوه , ومن المعلوم أن كون الشيء قائما بنفسه أبلغ من كونه قائما بغيره , وإذا كان قيام العرض بغيره يمتنع أن يكون عدميا؛ فقيام الشيء بنفسه أحق أن لا يكون أمرا عدميا بل وجوديا , وإذا كان قيام المخلوق بنفسه صفة كمال وهو مفتقر بالذات إلى غيره فقيام الغني بذاته بنفسه أحق وأولى.
الصواعق المرسلة (4
1328)
ت- أن تعريفهم ليس بجامع مانع باعترافهم فالجوهر لا يفتقر إلى المحل , وهو لا يقوم بنفسه , ولزم على قولهم أن يكون قائما بنفسه ,كالرب سبحانه وهذا باطل ولذلك فروا إلى لفظة التخصيص فقالوا: لا يفتقر إلى المحل والمخصص.
وكذلك العدم أيضا لا يفتقر إلى المحل , فبان أن تفسير القيام بالنفس بمعنى عدم الاحتياج من تحريفات الأشاعرة.
والله أعلم.
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[25 - 06 - 09, 11:23 م]ـ
قصدت في آخر الكلام عن الجوهر: وهو لا يقوم بنفسه أي لاحتياجه إلى الواجب وليس على مقتضى التعريف.