تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بينما المتخرج من الجامعة الإسلامية قد توقف عقله عند منطق الأخضري، فعندما ينزل الساحة العلمية يمكن له أن يناقش أشعريا أو رافضيا لاشتراكهم في هذا المنطق، ولكن لا يمكنه مناقشة الآخر للفارق المعرفي المنطقي بينهما.

حتى في مجال الاصطلاح هو مغيّب، لأن المصطلحات تطورت، فيعيش معزولا عن مواجهة العلماني الحداثي و الماركسي، وحملات الإنسية في العالم الإسلامي، يراد له أن يبقى في حوار دائم ومغلق مع الأشعري، أما الحداثي فليس له أن يواجهه!

ويمكنك تحسّس هذا الأمر بزيارة المكتبات التي تبيع الكتب الفلسفية و المنطقية و كتب الفكر المعاصر، و التّعرف على بعض روادها، وفتح باب النقاش معهم فستعرف فكرهم، ومجال نشاطهم، و حقيقة قوتهم في مختلف زوايا المجتمع، وكيف ينظرون إلى أهل الدين.

إن التعتيم العلمي على علماء الشريعة المقصود منه تغييبهم عن التجاوب مع الواقع الذي يتعامل بثقافة أخرى، ولغة أخرى" مصطلحات أخرى"، و فكر آخر.

وعليه، فإنكم عندما لا تغلقوا على أنفسكم في منطق الشنقيطي و الأخضري فتغرقوا في فكر و عقلية إسلامية ـ في هذا المجال ـ توقفت عن النظر و التفكير في القرون الغابرة، و تقطعوا الصلة المعرفية بينكم و بين هذا العصر الحديث المصطبغ بمذاهب فكرية تحارب جوهر الإسلام، من خلال الخروج إلى آفاق أوسع لتعرفوا تاريخ المنطق، و كيفية دخوله العالم الإسلامي، ومراحله عند المسلمين و غيرهم،وموقف المسلمين منه،بأن تطالعوا مثلا (مناهج البحث) لسامي النشار، الفصل الخاص بنقد المسلمين للمنطق الصوري.

وكذلك كتاب الدكتور محمود اليعقوبي (ابن تيمية و المنطق الأرسطي).

ورغم أنهما أشعريان [4] فقد دفعتهم الحاجة الملحة إلى تكذيب دعوى المستشرقين بأن المسلمين لم يقدموا للبشرية في مجال البحث العلمي أي جديد، و أنهم ليسوا إلا مرددين لعمل اليونان، وذلك بالانبهار بنقد ابن تيمية للمنطق، و تثمينه، و إعطائه قيمته العلمية الحقيقية، و أنه أهم و أقوى عمل إسلامي يدل على أصالة التفكير الإسلامي، لأن الدفاع عن هذه الأصالة يشترك فيها كل أهل السنة.

وبذلك تسعون لبسط المنهج العلمي السلفي الأعلى (في نظرية المعرفة) على ثقافة العصر، وكذلك الانسجام بين مصدر التلقي وطرق التلقي، فمعارفنا سمعية بالدرجة الأولى ـ و إن دل على بعضها العقل ـ و دور العقل تأكيدها لا التشكيك فيها، و ليست عقلية يؤكدها السمع.

إن أصالة التفكير الإسلامي تعني عدم التسول الفكري على الأمم، خاصة الوثنية منها، فالمنطق الصوري بكل أشكاله الملخَّصة و المختزلة يتعارض مع المنهج المعرفي الإسلامي.

و الأصالة الفكرية تعني الامتناع عن التقليد الذي يؤدي إلى زوال الشخصية، و الاندماج في ثقافة الغير: مباشرة أو من خلال الوسائط.

إن خلو المناهج التعليمية لعلم المنطق من منهج علمي رصين يقوم على قواعد شرعية ثابتة، تشكل بديلا لطرقه و مبادئه، هو أعظم ما سبب الانتحاء الفكري و العقائدي لبعض المسلمين، ممن كانوا أبرع منا في هذا المجال.

فبعض المسلمين تحت وطأة و تأثير عوامل دعوية وعلمية معيّنة توجه فكره نحو المنطق الصوري فذاب فيه أو كاد، أو نحو ناحية واحدة من حاجياته العلمية، و أغفل معها بقية الحاجات الأخرى.

وهذا الانتحاء الفكري للبعض بالتوجه نحو الفكر الفلسفي و التّسول عليه، قد يكون بسبب عدم تعرفه على بديل مقابل عند المسلمين بسبب غياب الفحص و التمحيص، والعزلة الفكرية عن أحوال هذا العالم، وهذا العصر.

فلم يوجدوا بديلا علميا قويا يجبر النقص في مواجهة المخالف، ويزيل عنهم الغربة العلمية إلا هذا الانتحاء نحو الفكر المنطقي.

إن انضباط المسلمين في فهم القرآن و السنة ـ خاصة في مجال العلم الإلهي ـ و تفسيره بالدلالات الأصلية، و السياق الأول عند السلف، إنما اقتضاه إيمانهم بأن هذا القرآن هو وحي من الله، لا يحتاج إلى غير العلوم النبوية، فلا مجال لمعرفة الله، و ما يتعلق بهذه المعرفة من مصادر تلقيها، و طرق تلقيها و فهمها، غير علم النبوة.

و أن المسلمين باستنباطهم علم الحديث، و بنائه بناء كاملا أكدوا أن لا يقين حقيقي في العلم الإلهي، في مواده وصورته إلا في الخبر النبوي الصحيح.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير