تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن هنا أنكر فقهاء الحديث، و الفقهاء المتيقظون تطبيق آليات علم المنطق على النص الشرعي، سواء في أصول الدين، أو في أصول الأحكام و الأحكام.

إننا لا يجب أن نساير الخطأ الشائع عن إمكانية تخليص المنطق من أصوله الميتافيزيقية، و الخطأ الشائع بأنه قد ينفعنا في فهم الشريعة، أو الدفاع عنها دفاعا متكاملا من دون عثرة لا يكون لها صدى على إيماننا و تمسّكنا بشريعتنا.

إني إذ أقول هذا فأقصد تنبيه وعيكم بالمنهج العلمي السلفي، و أنه يستلزم أن يكون لدينا نموذجا فكريا معرفيا واحدا، كما كان عند السلف الصالح.

ألم يواجه الصحابة في الفتوحات الفرس و الهنود و الرومان الفلاسفة، و أدخلوا إليهم الإيمان الإسلامي، و كذلك منهج المعرفة الإسلامي.

إننا عندما نعتقد صلاحية المنطق الصوري لعلومنا الشرعية لفهمها، أو الدفاع عنها، دون أن يستتبع ذلك وعيا و طلبا لطرق نقضه، يستلزم ذلك استخفافا فكريا بمنهجنا العلمي المعرفي، و تلفيقا في هذا المنهج، لأن التلفيق هو ضم فكر إلى آخر وربطه به لعدم إدراك التنافر بينهما.

أصالة التفكير الإسلامي في مجال البحث و الاستدلال:

ولإدراك العمل السلفي العميق في المعرفة، خصوصا في المنطق، وأن السلفيين ليسوا ظاهرية وحرفية كما يزعم البعض، بل هم من يمثِّل أصالة التفكير الإسلامي ـ على الرغم أن الفلاسفة أدركوا هذا، في حين أن كثيرا من السلفيين لم يدركوه! ـ فهذه نبذة عن أصالة التفكير الإسلامي، و أسباب رفض المنطق الصوري إن كان تعرّفا عليه من غير نقد له.

يقول الدكتور محمود اليعقوبي [5] في (ابن تيمية و المنطق الأرسطي: ص:260):

((إننا نوافق الدكتور إبراهيم مدكور عندما يقول:" إن المنطق العربي في ترتيبه وفي مسائله نسخة مطابقة للأصل من منطق أرسطو" [أرقانون أرسطو ص:268] كما نوافق الأستاذ فان دن برغ عندما يرى في تقديمه لكتاب إبراهيم مدكور أن أنصار أرسطو من المسلمين:" قد جعلهم تعلقهم بأرسطو يعتبرون آراءه المنهج لوحيد الذي يمكن للفكر أن ينتهجه و يهملون كل ما خالف ذلك"، إن كان الأول يريد المنطق الذي كتبه المشاؤون العرب، و إن كان الثاني لا يجعل من جميع النظار المسلمين أنصارا لهذا المنطق، و إلا فإن البحث الذي قمنا به يثبت غير ما يذهبان إليه.

فإذا كان لا يمكننا أن ننكر أن جميع من كتب من المسلمين باللغة العربية في المنطق لم يخرجوا عن الحدود التي رسمها أرسطو، و أن المتأخرين منهم قد اكتفوا بتجريد منطق المشائين من الميتافيزياء التي تبطنه، فإنه لا جدال في أن هؤلاء لا يمثلون جميع أصناف الطالبين المسلمين، ولا جميع الذين تحدثوا في المنطق، بل كان إلى جانب هؤلاء المعجبين بالفلسفة اليونانية عامة، و المنطق المشائي خاصة، طائفة من النظار الإسلاميين لم يقبلوا هذه الفلسفة، لأن أصولها مخالفة لأصول العقيدة الإسلامية، ولم يستسيغوا هذا المنطق، لأنه من جهة أداة لهذه الفلسفة، ولأنه من جهة أخرى مبني على بعض أصول هذه الفلسفة، فكأنه جزء منها، هذه الطائفة هم طائفة الفقهاء الذين يؤهلهم عملهم و علمهم لاستنباط الأحكام الشرعية غير المنصوص عليها، فهم بمقتضى وظيفتهم مدعوون للنظر و التفكير و ملزمون بتحري الإصابة فيهما، مما جعلهم منذ فجر الإسلام يسلكون طريقهم إلى مطالبهم بما كانوا يجدونه في أنفسهم من قدرة فطرية على الجمع بين المتماثلين و التفريق بين المختلفين في الحكم، وقد كان هذا المبدأ الفطري كافيا لإجراء الاستنباطات الفقهية، لكن عندما انتشر المنطق المشائي بين المسلمين لسبب أو لآخر منذ بداية القرن الثاني الهجري، و أخذ بعضهم يستعملون اصطلاحاته و بنيات أحكامه، وصور استدلالاته الصناعية، وجد الفقهاء أن هذه البنيات مؤسسة على خصائص اللغة اليونانية، و أن هذه الاستدلالات مستمدة من أصول الميتافيزياء اليونانية، ووجدوا أن استعمال القياس الحملي القائم على الوجود الذهني و الذي يعده أصحابه سبيلا وحيدا إلى العلم، لا يصلح لأن تعالج به نصوص الشريعة الإسلامية التي تتحدث عن أشياء عينية، و التي تستدل على الشيء بملازمه، ولم يكن هذا التعارض مدعاة للنفور من المنطق المشائي فحسب، بل كان موجبا للتنفير منه عندما راح أنصاره يدعون له الكلية و الانفراد بتحصيل العلوم، ولا سيما عندما اتخذوه وسيلة للطعن في المعارف النقلية، وجعلوا المعارف

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير