فالنتيجة في القياس المنطقي يقينية، ولكنها ليست صادقة، لأن المقصود باليقين هنا يقينية التلازم بين المقدمات و النتيجة، لا كون النتيجة يقينا في الحق أي صادقة، فإنها حتى تكون يقينية في الحق أي اليقين المطلق يلزم أن تكون موادها يقينية، ومواد المنطق هي نظريات لم تثبت صحتها،ووهم وخيال، و مصادرة على المطلوب كما في اختراعهم قسما ثالثا من الموجودات ـ زيادة على الجوهر و العرض ـ هو المعقول!.
فعندما يزعم المناطقة أن نتائج المنطق يقينية فإنهم لا يكذبون، ولكن عن أي يقين يتحدثون، يقين التلازم من الطرفين ـ التلازم المكافئ ـ أي أن ما وضعوه في المقدمات يقود يقينا إلى تلك النتيجة أم اليقين المطلق يقين مواد المعرفة؟!
فيجب التفريق بين يقينية النظم و يقينية المواد، بمعنى آخر: التفريق بين يقينية النتيجة بالنسبة لنظم الدليل، ويقينية النتيجة بالنسبة لمواد الدليل.
وللتمثيل أقول: لو كان المطلوب اللون الأحمر فقمت بمزج الأسود و الأبيض فالنتيجة اللون الرمادي، وهذه نتيجة يقينية لاشك فيها، وكونها يقينية لا يعني أنها طابقت المطلوب، لأنها غير صادقة بالنسبة للمطلوب الذي هو اللون الأحمر، فالنتيجة صحيحة بالنسبة لمواد المقدمات، ليست صحيحة بالنسبة للمطلوب.
ولما كانت مواد المنطق ميتافيزيقية غير مطابقة للواقع الموجود، ولا للحقائق الشرعية كانت نتائجها خاطئة كاذبة.
المقصود: التفريق بين الصدق الصوري و الصدق المادي (الواقعي).
وعليه، عندما يقول بعض العلماء: إن القياس المنطقي قياس صحيح مضمون النتيجة فاعتبار النظم لا باعتبار المواد.
فالصحة المنطقية أي صحة الاستدلال لا تستلزم صدق النتيجة.
وعندما يقول ابن تيمية ومن قبله النظار و من بعده أصحاب المنطق الاسمي و التجريبي والاستقرائي: إن القياس المنطقي لا يفيد معرفة صحيحة فباعتبار مواده وتكرارية بعض نظمه.
فالمحذور في القياس المنطقي شيئان:
1 ـ مواده الفاسدة.
2 ـ حصره طرق العلم في القياس المنطقي.
وبدون دخول في تفاصيل هذه القضية ـ فسيبحثها لكم الشيخ بدر الدين في موضعها ـ نعلم أن إنكار حجية الآحاد، و أنه لا يفيد العلم ولو احتفت به القرائن مصدرها علم المنطق.
وعندما يقول المتكلمون: أنه يفيد العلم إذا احتف بالقرائن لا يقصدون العلم النظري بل العلم العملي أي يفيد العلم بوجوب العمل به، و أن الأدلة الشرعية قد دلت على وجوب العمل بالظنيات، و ليس هذا مقصود أهل السنة بقولهم يفيد العلم إذا احتفت به القرائن.
وعندما قال الفقهاء: " من تمنطق تزندق" لم تكن كلمة صادرة عن فراغ، بل لها كل مدلولاتها، ولكن بعض الناس يأتي المنطق في فترة وجيزة، و لا يستوعب جميع نظرياته، فلا يؤثر فيه، أو لا يشعر بتأثيره فيه، ولكن مواد المنطق تقود إلى الزندقة و السفسطة في المعرفة،لأنها تجعل الحقيقة و الوجود و الأولوية و التعريف و المعرفة لما يجول في الأذهان، وليس لما يكون في الأعيان.
ولقد كان الشيخ الشنقيطي مخطئا مقلدا لمن استشهد بهم كالأخضري عندما زعموا أن المسلمين خلصوا المنطق من مباحثه الفلسفية ذلك أن مبدأ المنطق الفلسفي يقتضي استحالة فصله عن الميتافيزيقا، لأن مبدأ الشيء هو علته على أساس أن العلة أصل المعلول، ووجوده لا يبدأ إلا بوجودها.
ثم إن بنيوية المنطق المتكون من نظرية كلية هي القياس، والمؤلفة من أجزاء مترابطة ترابطا وظيفيا، بحيث يستمد كل جزء من قواعده وظيفته من علاقته بسائر الأجزاء الأخرى، فنظرية التصور و الحد تخدم نظرية القضية و الحكم المعمولة لتخدم نظرية البرهان أو القياس، المعمول لتبرير علم الوجود "الميتافيزيقا".
بمعنى أن امتداد المنطق الميتافيزيائي لا يمكن التخلص منه، فمنبعه تأملات ميتافيزيائية، ونهايته ميتافيزيائية بدون حل.
ومن المعلوم أن إمكان التصور هو صلاحيته الميتافيزيائية للوجود، فالموجودات المنطقية إنما ينظر إليها من حيث هي ممكنات، سيان وجودها بالفعل و عدمها، بل يمكن أن تكون موجودات ذهنية، أو تعبيرا عن مجرد نفي"العدم".
و المنطقي يحتاج في عملية التصور إلى التجريد، و التجريد هو عزل الذهن لصفة أو لعدة صفات لا تنفصل عن موصوفاتها في الواقع، وتوجيه الانتباه إليها دون غيرها من الصفات التي تتصف بها الأشياء، مثل تصور الكرة بقطع النظر عن مادتها ولونها و مقدارها.
¥