تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا لا يمنع أن يكون المخلوق محدثًا من مادَّةٍ أي من مخلوق قبله، فإنَّ هذا لا يخالف كونه كان معدومًا؛ فالمولود لم يكن موجودًا قبل التقاء ماء أبيه مع ماء أمَّه ثمَّ نفخ الروح فيه، بل كان معدومًا قبل لقاء أبيه بأمِّه، ولكن الله سبحانه وتعالى خلقه من ماء أبيه وأمِّه.

3 - وفوق هذا كُلِّه فالله – بلا شكٍّ- قادرٌ على إحداثِ مخلوقٍ من غير مادَّةٍ، وقادرٌ على إعدام ذات الشَّيء، والكلام هنا في القدرة وأنَّ الله على كلِّ شيء قديرٍ، ولكن جرت سنَّتُه الكونيَّة سبحانه وبحمده ألَّا يخلق شيئًا إلا من مادَّة مخلوقة، وألا يُعدم الموجودات، بل يحيل الأجسام بعضها إلى بعضٍ، مع كونه سبحانه وتعالى قادرٌ أن يخرق مجاري العادات؛ كما خلق عيسى عليه الصَّلاة والسَّلام من غير أبٍ.

4 - أنَّ المادَّة مخلوقة، وأنَّ كلَّ موجودٍ كائن بعد أن لم يكنْ، وهذا العالم مخلوقٌ كائنٌ بعدَ أن لم يكنْ، بعكس الملحدين كما سيأتي.

هذا كلُّه ممَّا دلَّ عليه القرآن والسُّنَّة وهو اعتقادُ سلف الأمَّة من الصَّحابة والتَّابعين ومن تبعهم بإحسانٍ.

ثانيًا: أمَّا الملاحدة فلا خالق للمادَّة عنهم، بل المادة عندهم أزلية غير مخلوقة، ولمزيد إيضاحٍ:

فإنَّ (أصل قولهم أن الصانع هو موجب بالذات [أي هو الذي يجب أن يصدر عنه الفعل إن كان علة تامة له من غير قصد وإرادة كوجوب صدور الإشراق عن الشمس والإحراق عن النار]، وهو علة تامة [العلة التامة ما يجب وجود المعلول عندها] أزلية مستلزمة لمعلولها لم يتأخر عنها شيء من معلولها فإن العلة التامة هي التي تستلزم معلولها والموجب بالذات هو الذي تكون ذاته مستلزمة لموجبه ومقتضاه فلا يجوز أن يتأخر عنه شيء من موجبه ومعلوله ولهذا قالوا بقدم العالم وهذا أعظم حججهم على قدم العالم) الصفدية (1/ 10) مع زيادة يسيرة بين معقوفين من التعريفات للجرجانيِّ.

فالخلاصة أنَّ الإحداثَ عندهم لا يكون من مادَّةٍ مخلوقة، بل هو تسلسلٌ في هذا العالم القديم، وبعبارة أخرى أنَّ هذه الحوادث المتعاقبة صدرت عن المبدع الموجب بالذَّات الذي هو علَّة تامَّة أزليَّة.

وبعبارة ثالثةٍ فمعنى قولهم: (المادَّة لا تفنى ولا تُستحدث من العدم) أي أنَّها تتولَّد أي تفيض وتصدر من مبدإٍ واحدٍ، من غير أن يكون في فعل هذا المبدإِ تراخٍ أو انقطاعٌ، فالتولُّد فعلٌ ضروريٌّ، فلا يمكن أن يوصف بأنه خلقٌ؛ لأنَّ الخلق إيجادٌ في الزَّمان وحدوثٌ من عدمٍ، أمَّا التولُّد عندهم فهو قديمٌ أزليٌّ حتميٌّ، كما أنَّهُ فعلٌ تلقائيٌّ غير إراديٍّ ولا اختياريٍّ، يحصل نتيجةً لخصوبة الواحد المطلقة وكماله الفائض!!!.

الدخان الله أعلم من أين مخلوق، والماء قبل العرش، ولا يدري أحدٌ ما قبلَ ذلك؛ فهو من العلم الَّذي اختص به الله تعالى وتقدَّس.

أمَّا حديث كان الله (ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان)

فقال شيخ الإسلام إنَّه موضوع. درء تعارض العقل والنقل (5/ 224) (مجموع الفتاوى (2/ 272 ـ 278)، نقلت العزو من الأحاديث والآثار التي تكلم عليها شيخ الإسلام ابن تيمية.

وهو داخل في مسألة التسلسل، وقد تكلَّم عليه شيخ الإسلام في الصفدية وفي درء تعارض العقل والنقل بما لا مزيد عليه رحمه الله تعالى، وهذا توضيح مختصر للحديث:

«الصفدية» (1/ 15): (وذكرنا أن حديث عمران رواه البخاري في ثلاثة مواضع بثلاثة ألفاظ كان الله ولم يكن شيء قبله ورواه في موضع ولم يكن شيء معه [هذا اللفظ لهذا الحديث ليس له وجودٌ في البخاريِّ ولا غيره] ورواه في موضع آخر ولم يكن شيء غيره وأن المجلس كان واحدا لم يقل النبي صلى الله، عليه وسلم إلا واحدا من الثلاث وقد ثبت أنه قال ليس قبلك شيء واللفطان الآخران رويا بالمعنى .. )

«مجموع الفتاوى» (18/ 225) -: «… الغلط في معنى هذا الحديث هو من عدم المعرفة بنصوص الكتاب والسنة، بل والمعقول الصريح؛ فإنه أوقع كثيرا من النظار وأتباعهم في الحيرة والضلال، فإنهم لم يعرفوا إلا قولين: قول الدهرية القائلين بالقدم، وقول الجهمية القائلين بأنه لم يزل معطلا عن أن يفعل أو يتكلم بقدرته ومشيئته، ورأوا لوازم كل قول يقتضي فساده وتناقضه، فبقوا حائرين مرتابين جاهلين!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير