تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذه حال من لا يحصى منهم، ومنهم من صرح بذلك عن نفسه، كما صرح به الرازي وغيره، ومن أعظم أسباب ذلك أنهم نظروا في حقيقة قول الفلاسفة: فوجدوا أنه لم يزل المفعول المعين مقارنا للفاعل أزلا وأبدا، وصريح العقل يقتضي بأنه لا بد أن يتقدم الفاعل على فعله، وأن تقدير مفعول الفاعل مع تقدير أنه لم يزل مقارنا له لم يتقدم الفاعل عليه، بل هو معه أزلا وأبدا: أمر يناقض صريح العقل.

وقد استقر في الفطر أن كون الشيء المفعول مخلوقا يقتضي أنه كان بعد أن لم يكن .. ».

ثم قال -رحمه الله-: «… فالفاعل يتقدم على كل فعل من أفعاله، وذلك يوجب أن كل ما سواه محدث مخلوق، ولا نقول: أنه كان في وقت من الأوقات ولا قدرة، حتى خلق

له قدرة، والذي ليس له قدرة هو عاجز.

ولكن نقول: لم يزل الله عالما قادرا مالكا، لا شبه له ولا كيف، فليس مع الله شيء من مفعولاته قديم معه، لا بل هو خالق كل شيء، وكل ما سواه مخلوق له، وكل مخلوق

محدث كائن بعد أن لم يكن، وإن قدر أنه لم يزل خالقا فعالا».

ثم قال: «… وهذا أبلغ في الكمال من أن يكون معطلا غير قادر على الفعل، ثم يصير قادرا والفعل ممكنا له بلا سبب».

ثم قال (18/ 239): «وإذا ظن الظان أن هذا يقتضي قدم شيء معه كان من فساد تصوره، فإنه إذا كان خالق كل شيء فكل ما سواه مخلوق مسبوق بالعدم، فليس معه شيء قديم بقدمه».

وقال في «درء تعارض العقل والنقل» (1/ 125): بعد كلام: «… فالذي يفهمه الناس من هذا الكلام أن كل ما سوى الله مخلوق حادث، كائن بعد أن لم يكن، وأن الله وحده))

وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى عن مسألة حدوثِ العالم وقِدَمِه: (فإنها منشأُ نزاع الأولين والآخرين في أقوالِ الربّ وأفعالِه، وعنها تنازعَ أهلُ المللَ من المسلمين وأهلِ الكتاب في كلام الربّ: هل هو قديمُ النوع أو العينِ؟ وهل هو قائمٌ به أو مباينٌ لهَ؟ وهل يتكلمُ بقدرته ومشيئتِه أو هو لازمٌ له لزومَ الحياة؟

وكذلك تنازعوا في دوامِ الحدوثِ ووجودِ ما لا يتناهَى منها في الماضي والمستقبلِ: هل هو ممتنعٌ في الماضي والمستقبل؟ كما يقوله الجهمُ وأبو الهذيل،

أو هو جائز في المستقبل ممتنعٌ في الماضي؟ كما يقوله كثير من المتكلمين،

أم هو جائز فيهما، كما يقوله أئمةُ أهلِ الملل وأئمة الفلاسفة، لكنَّ أئمةَ أهلِ المللِ لا يُجوِّزون ذلك إلا في قديم واحدٍ، لا يُجوزون أن يكون شيئانِ كل منهما قديم أزليّ يقومُ به حوادثُ لا بدايةَ لها ولا نهايةَ، فيكون ما لا يتناهَى لا في الماضي ولا في المستقبل قابلاً لأن يُزادَ عليه) جامع المسائل (5/ 287) بتحقيق محمد عزير شمس.

وقال رحمه الله تعالى: (واستحالةُ الأجسامِ بعضِها إلى بعضٍ معلوم بالمشاهدة، وهو مما تَطابقَ عليه أهلُ الطبائع والشرائع وأهل العادات، والأطباء يعرفون استحالة الأجسام بعضها إلى بعض، وغيرهم. وكذلك الفقهاءُ تكلَّموا في استحالةِ الطاهرِ إلى النجس، واستحالةِ النجسِ إلى الطاهر، وفي الماء والمائعِ إذا خالطَتْه النجاسة هل يستحيل أم لا؟

والذين أنكروا ذلك وقالوا بالجوهر الفرد زعموا أن كلَّ ما شهدَ العبادُ أنَّ الله يخلقُه من سحاب ونباتٍ ومطرٍ وإنسان وحيوانٍ، فإنَّ الله -فيما زعموا- لَمْ يُبدِعْ تلك الأعيانَ والجواهرَ القائمةَ بأنفسها، وإنما يُحدِثُ أعراضًا، وهو تركيبُ الجواهرِ بعضِها مع بعض، ثم زعموا أن الجواهر إنما يُعلَم أنه خلقَها بالاستدلال، وهو أنها لا تخلو من الأعراضِ الحادثة، وما لا يخلو إذن فهو حادث. وعلى هذا اعتمدوا في خَلْقِ الله للعالم وفي إثباتِ الصانع، وجعلوا ذلك أصلَ دين المسلمين، ثمَّ التزموا لوازمَ من إنكار الصفات أو بعضها، ومن إنكارِ الرؤية، والقول بخلق القرآن، وغير ذلك.

فتسلَّطَ عليهم السلف والأئمةُ وعلماءُ السنة بالتبديع والتكفير مع التجهيل والتضليل، وتسلَّط عليهم طوائف العقلاء الذين فهموا كلامَهم بالتجهيل والتضليل، وخالفوا الحسَّ والعقلَ والشرعَ الذي هو خبر الصادق، وهذه الثلاثة هي مدارك العلم عندهم وعند غيرهم، كما ذكروا ذلك في أولِ كتبهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير