تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

اليونان أو إلى غيرهم.

الوجه الثالث: كلام ابن تيمية مغالطة لقوله: "إن الله لم يوجب تعلم هذا المنطق اليوناني .. الخ"، فعلق كلامه على أمر مُشَخَّصٍ بقوله "هذا المنطق اليوناني" أي إنه اعتبر أن الشريعة لما لم تأمر بتعلم هذا العلم من حيث كونه يونانيا، إذن فهي لم تأمر به مطلقا، وهذه مغالطة مكشوفة.

فإن أحدا من العلماء لم يدَّعِ أن المنطق قد أمرت الشريعة به لأنه منطق يوناني أي منسوب إلى اليونان، بل قائل هذا كاذب ومفترٍ على الشريعة، ولا أعلم أحدا من الناس قد ادعى ذلك. ولذلك فإن ادعاء ابن تيمية نفي ذلك يوهم بوجود من قال به، وهذا افتراء على الناس وغلط محض.

بل الخلاف كما سبق ذكره هو هل تعلم هذه القواعد المنطقية مشروعٌ أو غير مشروع. وحاصل الجواب إنما يتم بالقول: إذا كانت هذه القواعد صحيحة فتعلمها مشروع، وإلا فغير مشروع. هذا هو ملخص المسألة وكيف يجب أن تبحث، أما إدخال حيثيات وجهاتٍ فيها –ككونه يونانيا- وهي غير داخلة فيها أصلا فهو سفسطة محضة ومغالطة صريحة.

الوجه الرابع: إذا كان ابن تيمية يوافقنا –على الأقل- في أن بعض القواعد المذكورة في المنطق صحيحة وتؤدي إلى العلم الصحيح فلا يجوز له أن يخالفنا في أن تعلم هذه القواعد على الأقل أمر مشروع، لأن هذا يكون مخالفة لنفس الشريعة. وظاهر كلامه أنه لا يوجد شيء صحيح تأمر به الشريعة في علم المنطق.

فمن ذلك يتبين أن كلام ابن تيمية غير صحيح على إطلاقه.

ثالثا- المنطق بعضه صحيح وبعضه باطل

يقول ابن تيمية إن المنطق في نفسه بعضه صحيح وبعضه باطل. ومعنى الأمر في نفسه هو الماهية والحقيقة التي بها هو هو، وحقيقة المنطق هي مجموعة القواعد والقوانين التي إذا اتبعها الإنسان في تفكيره فإنه يجتنب الخطأ. هذا هو معنى المنطق في نفسه. وإذا كان هذا هو معناه في نفسه، فلا يجوز أن يقال مطلقا إن بعضه صحيح وبعضه باطل في نفسه، بل ما كان كذلك في نفسه فهو صحيح مطلقا، وهو مطابق للشريعة مطلقا، وهو مشروع مطلقا.

هذا عن المنطق في نفسه، أما المنطق باعتباره مجموعة قواعد مدونة في الكتب، أو إذا كان الكلام عن كتاب معين من كتب المنطق، فلا نستطيع القول مطلقا إن كل ما فيه صحيح، بل يمكن أن يوجد فيه بعض الأغلاط. ولكن هذا المستوى من المعنى -أي كتب المنطق- لا يقال عليه "المنطق في نفسه"، كما لو قلتَ الإسلام في نفسه فهو حقٌّ مطلقا، فكلامك صحيح مطلقا، أما إذا كتب العلماء عن الإسلام كتبا فلا نستطيع الجزم بأن جميع ما يكتبونه فهو صحيح لأنه ربما لا يعبر عن الإسلام كما هو في نفس الأمر.

إذن لا يجوز إطلاق القول بأن المنطق في نفسه بعضه باطل وبعضه حقٌّ.

رابعا- الباطل مما في كتب المنطق

لقد حدد ابن تيمية الباطل مما في كتب المنطق من قواعد بأنه يكاد ينحصر في النفي، فما أثبته المناطقة فأغلبه صحيح ثابت، ولكن بعض ما نفوه فهو باطل، هذا هو حقيقة ما يقول به ابن تيمية، كما سبق الإشارة إليه.

ولكنه هنا يقول إن "أكثر أو كثير من الحق الذي في المنطق لا يُحتاج إليه"، وهذا القول غير مسلَّمٍ على إطلاقه هكذا، فإذا قصد أن أكثر الناس ومنهم العوام في العلوم لا يحتاجون إلى أغلب تفصيلات المنطق، فربما يسلم له، ولكن إذا قصد أن أكثر الناس لا يحتاجون إلى أغلب كليات المنطق فهو باطل. وإذا قصد أن أكثر الناس لا يحتاجون المنطق في أكثر الأوقات، فهذا القول يحتاج إلى تفصيل كما سبق. فالمتخصصون في العلوم العقلية يحتاجونه دائما، ويحتاجون إلى تفاصيله، وأما غيرهم من العوام فربما لا يحتاجون إلا إلى بعض كلياته، بل ربما لو تفحصنا حقيقة الواقع، فربما ينتج عندنا إن العوام أيضا يستعملون القواعد المنطقية في أغلب الأوقات، ومن دون دراستهم لها في الكتب.

خامسا- البليد لا ينتفع به والذكي لا يحتاج إليه

قوله "والقدر الذي يحتاج إليه منه فأكثر الفطر السليمة تستقل به، والبليد لا ينتفع به، والذكي لا يحتاج إليه" فهو كلام يحتوي على مغالطة، ثم بعد ذلك لا يسلَّمُ له.

أما المغالطة فبيانها كما يلي:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير