إذًا الإرادة الكونية لا يتخلف مرادها، والإرادة الدينية قد يتخلف مرادها. الإرادة أيضا الإرادة الكونية تتعلق بفعل المريد وهو الله، والإرادة الدينية تتعلق بفعل العبد، الله أراد من العبد أن يصلي وأن يصوم، فإن أراده كونا وقدرا وقع وإن لم يرد لم يقع نعم" (انتهى)
وقال الشيخ البراك (حفظه الله): "وكذلك الطاعة التي أُمِرَ بها العبد ولم يفعلها هذه مرادة لله شرعًا لكنها لم تتعلق بها الإرادة الكونية؛ إذ لو تعلقت بها الإرادة الكونية لحصل؛ لأن ما في إرادة الله كونًا. هذا من الفرق. ويمكن أن نقول أيضًا: -نذكر فرقا ثالثا وهو أن الإرادة الكونية لا يتخلف مرادها أبدًا، أما الإرادة الشرعية فقد يقع مرادها وقد لا يقع فالله أراد الإيمان من الناس كلهم أراده شرعًا يعني. أمرهم به وأحب ذلك منهم ولكن منهم من آمن ومنهم من كفر " (انتهى)
قال الشيخ العثيمين رحمه الله: "إذن الشيء الواقع نجزم أن فيه الإرادة الكونية لأنه واقع، ولكن، هل فيه الإرادة الشرعية؟
ننظر، لا نقول: لا، ولا نعم، ننظر، إن كان هذا الواقع مما يحبه الله ففيه الإرادتان الكونية والشرعية، وإن كان مما لا يحب ففيه الإرادة الكونية وليس فيه الإرادة الشرعية، إذا كان الشيء لم يقع فإننا نجزم بانتفاء الإرادة الكونية فيه نقول: هذا ليس فيه إرادة كونية، لأنه ما وقع، هل ننفي الإرادة الشرعية عنه أو لا؟
ننظر: هل يحبه الله فتكون الإرادة الشرعية ثابتة فيه أو يكرهه فتكون الإرادة الشرعية غير ثابتة فيه، فإذا كان لم يقع وهو مكروه إلى الله، انتفى عنه الإرادتان الكونية والشرعية، ولهذا كفر المؤمن غير مراد لا كوناً ولا شرعاً، لا كوناً لأنه لم يقع لأنه مؤمن، ولا شرعاً لأنه مكروه إلى الله عز وجل" (انتهى)
ففرق الشيخ رحمه الله بين كون الشيء داخل في الإرادة الكونية أو لا بالنظر إلى هل وقع أو لم يقع ... فإن لم يقع نفينا عنه الإرادة الكونية ... وبين المشايخ قبله أن الإرادة الكونية لا تتخلف عن المراد ...
وعلى ظاهر قولك يجب عدم نفي الإرادة الكونية فيما لم يقع لكون الله قد أراده أزلا على وجه العموم ...
ولعلي الأن أختي بارك الله فيك أنقل ما ذكره الشيخ صالح -حفظه الله- عن عقيدة الأشاعرة في هذا الباب فقال: "هذا قول الأشاعرة والماتريدية، يقولون الإرادة و المشيئة يعني الإرادة الكونية والمشيئة وحتى الإرادة الشرعية عندهم قديمة.
ما معنى كونها قديمة؟
عندهم أن الإرادة وهي التوجه بتخصيص بعض المخلوقات بما خصصت به زمانا أو مكانا أو صفات هذا التخصيص أو هذا التوجه للتخصيص قديم من جهة الإرادة قديم، إرادته قديمة.
الإرادة عندهم لها جهتان:
- جهة يسمونها (صلوحية) يعني راجعة إلى ما يصلح وما لا يصلح، فيقولون من جهة الصلوحية فالإرادة تابعة للعلم.
- ولها جهة ثانية يسمونها الجهة (التنجيزية) يقولون هي من جهة التنجيز تابعة للقدرة.
يريدون بذلك مخالفة أهل الاعتزال، لأن المعتزلة - يأتي إن شاء الله كلامهم في ذلك - يخالفون في هذا ويجعلون (الإرادة) راجعة - هم يثبتون صفة الإرادة ويجعلونها راجعة - إلى العلم من جهة القدم، وأما الذي حدث إذا حدث فإنهم يجعلون (الإرادة) حادثة في ذلك الوقت، وليس عندهم إرادة التي هي صفة قديمة كما عند الأشاعرة وإذا أثبتوها فإنهم يرجعونها إلى العلم.
الأشاعرة عندهم هذا التفصيل، وكل الأمرين عندهم قديم ليس بمتجدد الآحاد مثل (الكلام).
صفة (الكلام) عندهم صفة قديمة، ما عندهم كلام يحدث، الله جل وعلا تكلم عندهم بالقرآن في الأزل، وكلامه جل وعلا انتهى، تكلم بما شاء ثم انتهى من الكلام، كذلك (الإرادة) يقولون أراد ما شاء في الأزل، ولا تتعلق (الإرادة) بالأشياء تجديدا.
هل معنى ذلك أن لا يريد هذه الأشياء؟
لا، يقولون يريدها ولكن (الإرادة) هنا جهتها تنجيزية، يعني تنجيز وإنفاذ للإرادة القديمة" (انتهى).
¥