تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي سعيد الخدري قال: جاء رجل إلى النبى فقال: إن أخى استطلق بطنه، فقال رسول الله: "اسقه عسلاً"، فسقاه ثم جاءه فقال إنى سقيته عسلا فلم يزده إلا استطلاقاً، فقال له ثلاث مرات ثم جاء الرابعة فقال "اسقه عسلا " فقال: لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقاً، فقال رسول الله: "صدق الله وكذب بطن أخيك". فسقاه فبرأ.

ويقول ابن تيمية رحمه الله تعالى وهو يرد على الفخر الرازي: "عدم علمنا بالحقائق لا ينفي ثبوتها في أنفسنا، فما أخبر به الصادق المصدوق صلي الله عليه وسلم هو ثابت في نفس الأمر سواء علمنا صدقه أو لم نعلمه،و من أرسله الله تعالي إلي الناس فهو رسوله سواء علم الناس أنه رسول أو لم يعلموا وما أخبر به فهو حق وإن لم يصدقه الناس وما أمر به عن الله فالله أمر به وإن لم يطعه الناس".

فإن أمر الرسول بفعل شئ ولم يستجب أحد، هل معنى ذلك أن الأمر باطل؟!

ولذلك نقول: لا تغتر بالكثرة، ومن المواقف التي تُحكى عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى عندما فرضوا على الناس بدعة القول بخلق القرآن، وألزموا الناس بالسيف، فمن لم يقل بأن القرآن مخلوق يُقتل، واختبروا العلماء ولم يثبت إلا الإمام أحمد ومحمد بن نوح، أنه في يوم من الأيام أُخرج أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح من سجن بغداد متوجهين إلي الخليفة المأمون، وكان بطرسوس أحد المدن في شمال الشام تقع على نهر طرسوس، حيث كان المأمون وقتها في طريقه لغزو الروم، فأكَّد إسحاق بن إبراهيم قيودهما وجمعهما في الحديد في سلسلة واحدة وعلى بعير واحد متعادلين، الإمام أحمد في ناحية ومحمد بن نوح في الناحية الأخرى، في صورة مذرية مشينة تدل على مدي الغضب الذي هيمن على المأمون ونائبه، ومدي الثبات الذي عليه إمام أهل السنة وصاحبه، وفي الطريق قيل لأحمد: ألا تري الباطل كيف ظهر على الحق؟ قال: كلا، إن ظهور الباطل على الحق أن تنتقل قلوب الرجال من الهدي إلي الضلال، وقلوبنا بعد لازمة للحق.

ونصره الله سبحانه وتعالى، ولو كان الإمام أحمد رحمه الله تعالى وافقهم على ما يريدون لكان إجماعاً، لأنه الوحيد في هذه الأمة الذي وقف هذا الموقف، والنبي يقول: "لا تجتمع أمتي على ضلالة"، ودعا الله تعالى على المأمون فاستجاب الله تعالى له، ما أن انتهى من دعائه إلا استجاب الله له، ومات المأمون في نفس الليلة.

فأكد ذلك للناس أن الله ينصر من كان على الحق وإن كان واحداً، فليس الأمر بالكثرة، فلو أن نبياً جاء بشرع الله ولم يستجب الناس، فعلى الإنسان ألا يتبع الكثرة ولكن يتبع الحق والدليل.

ونحن نقول هذا الكلام حتى تميزوا هذه القضية يا إخوان، فليس لنا ثقة إلا فيما جاء به الشيخ من الدليل، سواء من القرآن أو ما ثبت عن النبي، وما عدا ذلك لا يلزمنا، فالحق لا يُعرف بالرجال، ولكن يُعرف الرجال بالحق.

ولنضرب مثالاً ذكره ابن تيمية رحمه الله تعالى ليبين أن العقل أصل في العلم بالنقل وليس أصلاً في ثبوت النقل:

لو أراد أحد أن يسأل عن طبيب متخصص في مرض خطير، فدلَّه رجل عامي على طبيب متخصص وأثنى عليه وعلى مهارته، فهل هذا الرجل العامي هنا بمثابة الطبيب أم أنه دالٌ على الطبيب؟ دالٌ على الطبيب.

فذهب المريض إلى الطبيب وأعطاه علاجاً لمرضه، فلَم يُعجب هذا الرجل العامي، فقال للمريض: لا تسمع لهذا الطبيب، واسمع لي أنا، فأنا الذي دللت عليه.

فهنا تعارض قول العامي مع قول الطبيب، فلا يقول المريض: سألتزم بما يقوله لي العامي، لأنه هو الذي دلَّني على الطبيب.

ولذلك يقال لهذا العامي: طالما أنك دللت على هذا الطبيب المتخصص، فهذه شهادة منك على أنه هو المرجع، ولست أنت المرجع لأنك دللت عليه.

إذاً، لا يقال بأنه إذا تعارض العقل مع النقل نتبع العقل لأنه صدَّق بالنقل.

فهذا هو المثل الذي ضربه شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في درء تعارض العقل والنقل، وهو كلام جميل جداً.

• هل العقل مطية للنقل أم أن النقل مطية للعقل؟

أي من الذي يوجِّه الآخر ويهيمن عليه؟، فنقول: "مطية" كمن يمسك بدابة ويسوقها، فمن الذي يسوق الآخر؟ هل العقل هو الذي يسوق النقل أم أن النقل هو الذي يسوق العقل؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير