الأحكام الشرعية التكليفية (الواجبات والمستحبات والمحرمات والمكروهات) القيادة فيها للنقل والعقل تابع يشهد لها ويؤيدها، فالله أمر بالصلاة، ففيها خير كثير، والعقل يؤيد ذلك، ولنضرب لذلك مثالاً: في فرنسا يدخل الناس يصلون صلاة الجماعة، فتجد رجالاً ونساءً أمام المسجد غير مسلمين يفعلون كما يفعل المسلمون في قيامهم وركوعهم وسجودهم، لماذا يفعلون ذلك؟
لأن أطباء المفاصل قالوا لهم بأن علاج خشونة المفاصل هو أداء ما يفعله المسلمون في صلاتهم خمس مرات يومياً.
فهم يُعملون عقولهم فقط، ويقومون بأفعال الصلاة دون الإيمان بها، ولكن لأن العقل رأى أن الصلاة تساعد في علاج الإنسان فعلوا ذلك، فهذا فيه دلالة العقل على صحة ما ورد في النقل، وبالإضافة إلى أن ذلك ذكر لله وخضوع وحالة إيمانية جميلة يشعر بها الإنسان عندما يصلي.
وأما المباحات، فالقيادة فيها للعقل والنقل تابع يؤيدها.
أخرج مسلم رحمه الله تعالى من حديث رافع بن خديج ? قال: قدم نبى الله المدينة وهم يَأبُرُون النخل (يلقحون النخل) ....
ففي وقت معين يلقحون النخل بأن يضعوا الطلع من النخلة الذكر في النخلة الأنثى حتى يحدث التلقيح الذي يحدث في النبات.
فقال: "ما تصنعون؟ " قالوا: كنا نصنعه قال: "لعلكم لو لم تفعلوا كان خيراً "، فتركوه فنفضت أو فنقصت (وفي رواية: فخرج شيصاً)، فذكروا ذلك له فقال: "إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشىء من دينكم فخذوا به ..... "
ففي حالة الواجب أو المستحب أو المحرم أو المكروه وجب الالتزام بالنقل.
قال: وإذا أمرتكم بشىء من رأى فإنما أنا بشر، أنتم أعلم بأمر دنياكم"
فهنا يُقدَّم صاحب الخبرة والعقل، ففي المباح يُقَدَّم العقل.
فمثلاً، إذا لم يكن هناك طبيب كفء في مجال معين إلا طبيب نصراني عنده خبرة، فلا يقول أحد: لن أذهب إليه ولو مت، فإن هذا جهل، لأن الله سبحانه وتعالى جعلها أسباباً، ولا عصبية في ذلك، فكون الطبيب غير مسلم لا يعني أن أحاربه فيما منَّ الله تبارك وتعالى به عليه، وإن لم يكن له أجر في الآخرة على ذلك، ولكنه يُقدَّم لأنه صاحب خبرة وكفاءة.
• ظهور البدعة سببه حدوث خلل في مسألة تقديم العقل على النقل.
إذا قُدِّم العقل على النقل في موطن تقديم النقل على العقل تظهر البدعة، ففي باب الشرع المتمثل في الواجبات والمستحبات والمحرمات والمكروهات القيادة فيه للنقل، وفي باب الشرع أمرنا الله أن نُصدِّق خبره، فطالما أن هناك أمر إلزامي بتصديق خبر الله فلا يجوز تقديم العقل على خبر الله، لأن الله سبحانه وتعالى أعلم بنفسه منا، فلو قدَّم إنسان عقله على تصديقه لخبر الله فقد خالف أمر الله في تصديق خبره.
فلو قدَّم العقل على النقل في باب الأخبار ظهرت بدع الاعتقادات، فالله تعرفنا على وجوده بالعقل من خلال الأسباب كما قال الأعرابي: "البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج، ألا تدل على اللطيف الخبير"، فهذه الآثار دلَّت على خالقها، وتعرفنا على وجوده بالعقل، ولكن إذا أردنا أن نتعرف على أسماء الله وأوصافه يجب علينا أن نرجع للنقل، فلو أن الله لم يُرسل نقلاً ليعرفنا به ما عرفناه بعقولنا أبداً، ولضلَّ الناس.
فإذا أراد أحد أن يتبع عقله في التعرف على أسماء الله وصفاته، فسيقول مثلاً: هل الله له اسم أم لا؟ هل يُسمَّى الله عاقلاً؟، فيقول: لا يصلح، لأن العقل مشتق من العِقال، والعِقال معناه الربط، والربط في حق الله محال، إذاً هل يُسمَّى حكيماً؟ فالله يجب أن يكون حكيماً، ولكن الحكيم مشتق من حكمة اللجام، وحكمة اللجام هي الحديدة التي توضع في فم الدابة لتمنعها من الحركة، فلا يُسمَّى الله حكيماً، فهل يُسمَّى سميعاً؟ لا، لأنه لو كان سميعاً لكان بأذن .................
ثم يقول: إذاً، أفضل شئ ألا نثبت لله أي صفة.
وهذا هو مذهب المعتزلة، فمذهب المعتزلة مبني على نفي أوصاف الله، فيقولون: "ليس له سمع ولا بصر ولا حياة ... "، فيثبتون الذات وينفون الأوصاف، ويسمون ذلك بالتوحيد.
نقول: هذا ليس توحيداً، هذا بدعة في الاعتقاد.
الأصول الخمسة عند المعتزلة.
1. التوحيد.
2. العدل.
3. المنزلة بين المنزلتين.
4. إنفاذ الوعيد.
5. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
¥