تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إذاً، قلنا بأن باب الأمر يتطلب التنفيذ، فإذا تكلمنا عن قضية التوحيد والشرك وغير ذلك في باب العبادة، فالكلام يكون في باب تنفيذ الأمر، وإذا تكلمنا عن توحيد الربوبية والأسماء والصفات يكون الكلام في باب تصديق الخبر، فالذي يُصدِّق الخبر وينفذ الأمر يكون على مذهب السلف، وإذا ناقشت أي واحد من المخالفين بهذا المنطق، فماذا سيقول لك؟؟! فأنا أريد أن أصدق خبر الله، فهل ربي سيخبرني بأشياء باطلة؟ بالطبع لا.

ولذلك نقول له: فكل ما يخبر الله به حق، وأنا أصدق بهذا الحق، ولا يحتاج القرآن وصاية منك، فلا تقول لنا بأن ظاهر القرآن باطل وغير مراد ويجب أن يُصرف عن ظاهره، فنحن نصدق خبر الله وخبر رسوله.

وفي قضية خلق القرآن، جاء إسحاق بن إبراهيم والي الخليفة على بغداد بالرقعة التي مكتوب فيها "أشهد أن الله واحد أحد فرد صمد لم يكن قبله شيء ولا بعده شيء ولا يشبهه شيء من خلقه في معني من المعاني ولا وجه من الوجوه" وقال للإمام أحمد:أتشهد على ما في هذه الرقعة؟، قال الإمام أحمد: أقول: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشوري:11) ورفض ما في الرقعة لاشتمالها على حق وباطل، قال أحد الحاضرين من المعتزلة ينبئ عن جهله بصفات الله ? يقال له ابن البكاء الصغير، قال لإسحاق: يا أمير إنه يقول سميع بأذن بصير بعين، قال إسحاق لأحمد: ماذا أردت بقولك: "وهو السميع البصير"، قال أحمد مفحماً لهما: أردت منها ما أراده الله ورسوله.

فما الذي سيقولونه؟ فهو يقول لهم بأنه يصدق الله في خبره، فقد أخبر الله تعالى بأنه يسمع ويبصر، وقال بأنه ليس كمثله شئ، لا في سمعه ولا في بصره، وأما أن تقول: "سميع بأذن"، فالخطأ منك أنت، فالله ما أخبرنا كيف يسمع، وأخبرنا بأنه يسمع بكيفية يعلمها هو ولا نعلمها نحن وليس كمثله شئ فيها.

فاعتصم أحمد رحمه الله تعالى بالقرآن والسنة، فصدَّق خبر الله على مراد الله ورسوله.

نرجع إلى الكلام حول طريقة الصحابة في تنفيذ الأمر. ومن أمثلة ذلك:

• ما رواه البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن أبي هريرة ? أنه قال: آلله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني فمر ولم يفعل.

وهذا يصدق فيه قول الله تعالى: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً) (البقرة:273)، فقد كان يمكن أن يخبره بأنه جائع وأنه يحتاج إلى الطعام.

ثم مر بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني فمر ولم يفعل ثم مر بي أبو القاسم فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي ثم قال: "يا أبا هر". قلت: لبيك يا رسول الله، قال: "الحق".

ولننظر إلى حال أبي هريرة ? وقد وصل به الجوع إلى درجة أنه يربط الحجر على بطنه، إذا ابتلي بأمر من أوامر الله ماذا يصنع؟

ومضى فاتبعته فدخل فأستأذن فأذن لي فدخل فوجد لبنا في قدح فقال: "من أين هذا اللبن؟ "، قالوا أهداه لك فلان أو فلانة، قال: "أبا هر"، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: "الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي".

وأكبر عدد لأهل الصفة وردت به الآثار هو ثلاثمائة وستون، وأقل عدد هو قرابة الثمانين، وقد كانوا مجموعة من فقراء المهاجرين جاءوا بعد أن ازدحمت المدينة ازدحاماً شديداً، وكانت الموارد الإقتصادية قليلة ولا يجدون عملاً، ولم يجدوا مكاناً ينزلون فيه، فكانوا يقيمون في المسجد، وكان النبي يطعمهم مما يأتيه.

قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة كنت أحق أنا أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، فإذا جاء أمرني فكنت أنا أعطيهم وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير