" النافع " و " الضار " فإن اسم الله جل وعلا " الضار " لا يطلق إلا مقترنا مع اسم الله " النافع " وذلك لأن كماله إنما يظهر مع الاسم الآخر، وهذا له نظائر في أسماء الله جل وعلا الحسنى، فمنها ما يطلق على وجه الانفراد ومنها ما يطلق على وجه الاقتران ولا يطلق على وجه الانفراد.
هنا في قوله ?هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ? هذه أسماء فسرها النبي عليه الصلاة والسلام في ثنائه على ربه في دعائه بالليل حيث قال عليه الصلاة والسلام " اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء " خرجه مسلم وغيره وهذا الحديث فيه تفسير واضح لهذه الأسماء الأربعة.
الاسم الأول: قال عليه الصلاة والسلام " أنت الأول فليس قبلك شيء " يعني أن لله جل جلاله سبق الأشياء، بل كل شيء موجود إنما هو أثر من آثار أولية الله جل وعلا، يعني أن سبْق الله جل وعلا على كل شيء كل شيء بعده جل وعلا إنما صدر عنه، هو الخالق له وهو الذي جعله شيئا مذكورا، فهو سبحانه " الْأَوَّلُ " وليس قبله شيء، و (أوليته) سبحانه بمعنى (الأزلية) يعني أنه جل وعلا لم يزل، وكلمة أزلية، هذه منحوتة من الكلمتين (لم) (يزل) فقيل فيها أزلية وتفسيرها (لم يزل) فالله جل وعلا (أول) بمعنى لم يزل بذاته ولم يزل بأسمائه ولم يزل بصفاته، فهو سبحانه (أول) في ذاته فليس قبل ذاته شيء، وهو (أول) جل وعلا بصفاته وبأسمائه جل وعلا وبأفعاله، فإن أسماء الله تبارك وتعالى، وإن صفات الله جل وعلا لم يكتسبها جل وعلا اكتسابا بعد حصول الخلق، كما هو الحال في المخلوقين، فإن الصفة أو الاسم في المخلوق إنما تكون بعد اكتسابه للصفة، فيقال فلان كاتب بعد أن حصلت منه الكتابة، وفلان قادر أو قدير بمعنى أنه حصلت منه هذه القدرة يعني في أجناسها وهكذا، فلان صانع صنع الشيء بمعنى حصلت منه، حصل منه ذلك، وقد يطلق على المخلوق الصفة قبل فعله لها بمعنى كونه قابلا لها، كما يقال في الإنسان حين ولادته إنه ناطق بمعنى أنه يقبل ذلك.
والله جل وعلا لم يزل بذاته ولم يزل بأسمائه ولم يزل بصفاته ولم يزل بأفعاله، يعني أن أسماء الله جل وعلا فيها صفة (الأولية) كما أن ذاته جل وعلا لها صفة (الأولية) فكذلك أسماء الله جل وعلا كذلك صفاته كذلك أفعاله، يعني أن الله جل وعلا هو " الْأَوَّلُ " بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، وهذا يعني أنه جل وعلا - كما يعبر طائفة من أهل العلم - سبق الأشياء، وهذا السبْق وإن كان يجوز من باب الإخبار لكن لا يفهم أنه من باب الصفة أو من باب الإطلاق الوارد، بل الذي ورد في ذلك إنما هو الأولية، الله جل وعلا (أول).
وهذه الآية بينها النبي صلى الله عليه وسلم " أنت الأول فيس قبلك شيء " يعني أنه جل وعلا إنما كانت الأشياء بإيجاده لها وبخلقه لها وبصنعه لها، فهو جل وعلا أوجد الأشياء ولهذا تكون الأشياء حادثة.
قوله هنا عن الله جل وعلا " الْأَوَّلُ " يعني الذي لا يوصف بأنه حادث ولهذا قال بعض الناس إن معنى الأول أنه هو معنى اسم الله الذي سموه به (القديم)، قالوا إن (الأولية) هي (القِدَم) وهذا غير صحيح، لأن القديم وإن كان يحتمل الأزلية لكنها احتمال من الاحتمالات، وذلك أن اسم القديم يطلق في العربية ـ وجاء استعماله أيضا في القرآن ـ على نحوين:
- الأول: أن يكون مطلقا، يعني من الزمن، يعني قِدم على جميع الأشياء.
- ومنها أن يكون قدما نسبيا، يعني أن يكون قديم ـ يعني إطلاق اللفظ ـ قديم على بعض الأشياء.
الأول واضح، والثاني كقوله تعالى " حتى عاد كالعرجون القديم " قال " أنتم وآباؤكم الأقدمون " وهذا فيه قِدم نسبي، ولهذا لما احتمل هذا اللفظ أن يكون فيه المعنيان ـ معنى القِدم المطلق والقِدم النسبي ـ لم يصح أن يطلق في أسماء الله جل وعلا وأن يقال إن من أسمائه القديم، وذلك للاحتمال.
فأسماء الله جل وعلا كلها حسنى، كلها أسماء كمال، وأما الاسم الذي يحتمل شيئين فإنه لا يطلق في أسماء الله جل وعلا وليس من أسماء الله الحسنى، وهذا مثل (الصانع) ومثل (المريد) وأشباه ذلك.
¥