ليس المراد ذلك، بل الظهور هنا كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " فليس فوقك شيء " ويحتمل أن يكون في معنى الظهور على الصفات، لأن اسم " الظَّاهِرُ " اسم فاعل (ظاهر) دخلت عليه الألف واللام فدخول الألف واللام على أسماء الفاعلين يدل على عموم ما اشتمل عليه الاسم ـ اسم الفاعل ـ من المصدر، واسم الفاعل (ظاهر) اشتمل على مصدر وهو الظهور، و (الظهور) بمعنى (الفوقية) يكون (فوقية ذات وفوقية صفات) يعني أن يكون (الظهور): (ظهور ذات) كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون أيضا مشتملا على (ظهور الصفات) يعني على أن صفاته جل وعلا فوق كل الصفات لأن العلو كما ذكرت لكم سابقا والفوقية تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
- علو الذات وفوقية الذات.
- وعلو القدر وفوقية القدر.
- وعلو القهر وفوقية قهر.
ومن أهل السنة أي من العلماء من يقول: العلو قسمان، يعني هذا تقسيم والمعنى واحد.
منهم من يقول: العلو قسمان والفوقية قسمان:
- علو الصفات.
- وعلو الذات.
وعلو الصفات يدخل فيها جميع أنواع الصفات والتي منها (القدر) و (القهر) والتوفيق بين القولين أن مَن قال من أهل السنة وهم الأكثر يعني خصوا العلو والفوقية بالثلاثة أقسام هذه ـ فوقية الذات وفوقية القدر وفوقية القهر ـ أن (القدر) و (القهر) هؤلاء قد نازع فيهما ـ يعني هذان المصدران وهاتان الصفتان ـ نازع فيها أهل البدع، فقال طائفة من أهل البدع: نقول بفوقية القدر والقهر دون غيرها من الفوقيات ودون غيرها من أنواع العلو، أما علو سائر الصفات فهذا متفق عليه، وهم لما نصوا على إثبات هذين دون إثبات علو الذات وفوقية الذات احتاج أهل السنة إلى أن يقسموا الفوقية إلى هذه الثلاث وهي:
- فوقية وعلو الذات.
- وفوقية وعلو القدر.
- وفوقية وعلو القهر.
باعتبار أن المبتدعة أثبتوا علو القدر وعلو القهر ونفوا علو الذات، وإلا فإننا نقول إن صفات الله جل وعلا كلَّها عُلا، له الصفات العلا، كما أن له الأسماء الحسنى، فكل صفاته هي العليا جل وعلا، فإذن العلو يُقسم إلى: علو ذات وعلو صفات، ويقسم أيضا: علو ذات وعلو قدر وعلو قهر. الثاني هذا علو الذات وعلو القهر والقدر هو الأكثر في كتب أهل السنة مراعاه لحال المبتدعة في نفيهم لذلك.
" الظَّاهِرُ " لا شك في قول النبي صلى الله عليه وسلم " وأنت الظاهر فليس فوقك شيء " يدل على علو الذات ويدل على استوائه جل وعلا على عرشه، لكن دلالته على الاستواء دلالة لزوم بضميمة ما جاء في الآيات من ذلك.
قوله " وَالْبَاطِنُ "، اسم الله " الْبَاطِنُ " فسره النبي عليه الصلاة والسلام بأنه الذي " ليس دونه شيء " واختلف العلماء والمفسرون في هذا الاسم كثيرا، والذي عليه أهل التحقيق أن يقال: إن اسم الله " الْبَاطِنُ " يوقف فيه على تفسير النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره لأنه اسم لا تُفسره اللغة ولا يفسره السياق ويحتاج في تفسيره إلى معرفة كلام المعصوم له، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام " وأنت الباطن فليس دونك شيء " وهذا التفسير حُمل على أن معنى البُطون (القرب) والقرب في هذا يُعنى به القرب العام من المخلوقات، والقرب العام من المخلوقات لا بد أن يفهم مع اسم الله " الظَّاهِرُ " لأن القرب العام من المخلوقات إما أن يكون قربا بالذات، وإما أن يكون قربا بالصفات، فإذا كان قربا بالذات ناقض هذا قوله " الظَّاهِرُ " فلا بد أن يكون قربا بالصفات، ولهذا قالوا إن " الْبَاطِنُ " اسم لقرب الله جل وعلا، وقربه نوعان:
- قرب عام في الإحاطة والعلم والقدرة ـ وهذا تمثيل بهذه الصفات ـ.
- وقرب خاص من أوليائه بالإجابة وبنصرهم ونحو ذلك بسماع دعائهم إلى آخره.
إذن لفظ " الْبَاطِنُ " ينتبه إلى أنه لا يُدخل كثيرا في بحثه ولا في تفصيل الكلام عليه لأنه مزِلّة أقدام، " الْبَاطِنُ "، ومن هذا الاسم دخل كثيرا من غلاة الصوفية في أنواع من الضلال في الاعتقادات حتى وصلوا في تفسيرهم لاسم الله " الْبَاطِنُ " إلى القول بالوحدة والقول بالحلول والاتحاد. أحسن تفسير له بل التفسير الذي يتعين تفسيرا دون غيره هو قول النبي عليه الصلاة والسلام " أنت الباطن فليس دونك شيء " فسره أهل السنة بأنه يدل على قرب الله جل وعلا، قرب الإحاطة والعلم والقدرة ونحو ذلك.
قال سبحانه وتعالى بعدها " وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " وهذا فيه إثبات أن متعَلّق العلم هو كل شيء، قد تقدم لك أن كلمة (شيء) في نصوص الكتاب والسنة أنها تفسر بأنها (ما يصح أن يُعلم) " وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " ما يصح أن يعلم، سواء أكان واقعا أم لم يكن واقعا، سواء أكان ماضيا أم كان حاضرا أم مستقبلا، وسواء أكان مقدَّرا أم حاضرا ـ يعني غير مقدر ـ
إذن قوله " وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " هذا يشمل كل شيء، ولهذا استدل به أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم على بطلان قول القدرية الذين يقولون إن الأمر أنُف ـ مستأنف ـ وأن الله جل جلاله لا يعلم الأشياء إلا بعد وقوعها تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا، وكذلك رُد به قول طائفة من الفلاسفة الذين يقولون إن الله يعلم الأمور الكلية دون التفصيلات والجزئيات، كل هذا يرده قوله " وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ".
¥